للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: وَالصَّوَابُ سَعِيدٌ، وَجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ حَزْمٍ وَأَنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ سَعْدٌ بِسُكُونِ الْعَيْنِ فَلَعَلَّهُ سَلَفُ الْحُمَيْدِيِّ، وَوَقَعَ لِلنَّسَائِيِّ، وَالطَّحَاوِيِّ عُمَرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ لَكِنَّ الَّذِي عِنْدَهُمَا فِي أَبِيهِ سَعِيدٌ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ حَزْمٍ فِي النَّسَائِيِّ عَمْرٌو بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَالْمَحْفُوظُ [عُمَيْرٌ] كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ، وَقَدْ أَعَلَّ ابْنُ حَزْمٍ الْخَبَرَ بِالِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ عُمَيْرٍ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ تَقْدَحُ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ عَرَفَهُ وَوَثَّقَهُ مَنْ صَحَّحَ حَدِيثَهُ، وَقَدْ عَمَّرَ عُمَيْرٌ الْمَذْكُورُ وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ.

قَوْلُهُ: (مَا كُنْتُ لِأُقِيمَ) اللَّامُ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾

قَوْلُهُ: (فَيَمُوتَ فَأَجِدَ) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا، وَمَعْنَى أَجِدَ مِنَ الْوَجْدِ، وَلَهُ مَعَانٍ اللَّائِقُ مِنْهَا هُنَا الْحُزْنُ، وَقَوْلُهُ: فَيَمُوتَ مُسَبَّبٌ عَنْ أُقِيمَ وَقَوْلُهُ: فَأَجِدَ مُسَبَّبٌ عَنِ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ مَعًا.

قَوْلُهُ: (إِلَّا صَاحِبَ الْخَمْرِ) أَيْ شَارِبَهَا وَهُوَ بِالنَّصْبِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ: لَكِنْ أَجِدَ مِنْ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا مَاتَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: مَا أَجِدُ مِنْ مَوْتِ أَحَدٍ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ شَيْئًا إِلَّا مِنْ مَوْتِ شَارِبِ الْخَمْرِ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا مُتَّصِلًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَوْ مَاتَ وَدَيْتُهُ) أَيْ أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ قَبْضَهَا، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَنْ أَقَمْنَا عَلَيْهِ حَدًّا فَمَاتَ فَلَا دِيَةَ لَهُ إِلَّا مَنْ ضَرَبْنَاهُ فِي الْخَمْرِ.

قَوْلُهُ: (لَمْ يَسُنَّهُ) أَيْ لَمْ يَسُنَّ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا، فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يَسْتَنَّ فِيهِ شَيْئًا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ: فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ صَنَعْنَاهُ.

(تَكْمِلَةٌ): اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الضَّرْبِ فِي الْحَدِّ لَا ضَمَانَ عَلَى قَاتِلِهِ إِلَّا فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَعَنْ عَلِيٍّ مَا تَقَدَّمَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ ضُرِبَ بِغَيْرِ السَّوْطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ جُلِدَ بِالسَّوْطِ ضُمِنَ قِيلَ: الدِّيَةُ، وَقِيلَ: قَدْرُ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْجَلْدِ بِالسَّوْطِ وَبِغَيْرِهِ، وَالدِّيَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ. الحديث الخامس.

قَوْلُهُ: (عَنِ الْجُعَيْدِ) بِالْجِيمِ وَالتَّصْغِيرِ، وَيُقَالُ الْجَعْدُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُمَّ سُكُونٍ، وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُهُ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ هُنَا بِوَاسِطَةٍ، وَهَذَا السَّنَدُ لِلْبُخَارِيِّ فِي غَايَةِ الْعُلُوِّ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّابِعِيِّ فِيهِ وَاحِدًا فَكَانَ فِي حُكْمِ الثُّلَاثِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَ التَّابِعِيُّ رَوَاهُ عَنْ تَابِعِيٍّ آخَرَ وَلَهُ عِنْدَهُ نَظَائِرُ، وَمِثْلُهُ مَا أَخْرَجَهُ فِي الْعِلْمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مَعْرُوفٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ عَلِيٍّ، فَإِنَّ أَبَا الطُّفَيْلِ صَحَابِيٌّ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الثُّلَاثِيَّاتِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحَابِيِّ فِيهِ اثْنَيْنِ وَإِنْ كَانَ صَحَابِيُّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ الْجُعَيْدِ سَمِعْتُ السَّائِبَ، فَعَلَى هَذَا فَإِدْخَالُ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ بَيْنَهُمَا إِمَّا مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْجُعَيْدُ سَمِعَهُ مِنَ السَّائِبِ، وَثَبَّتَهُ فِيهِ يَزِيدُ، ثُمَّ ظَهَرَ لِيَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الْجُعَيْدِ الْمَذْكُورَةَ عَنِ السَّائِبِ مُخْتَصَرَةٌ فَكَأَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ تَامًّا مِنْ يَزِيدَ، عَنِ السَّائِبِ فَحَدَّثَ بِمَا سَمِعَهُ مِنَ السَّائِبِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ يَزِيدَ، وَحَدَّثَ أَيْضًا بِالتَّامِّ فَذَكَرَ الْوَاسِطَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ الْمَذْكُورُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُصَيْفَةَ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَقِيلَ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ فَيَكُونُ نُسِبَ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ، وَخُصَيْفَةُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ ثُمَامَةَ أَخُو السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ صَحَابِيُّ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَكُونُ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ لِهَذَا

الْحَدِيثِ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ أَوْ عَمِّ جَدِّهِ.

قَوْلُهُ: (كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ) فِيهِ إِسْنَادُ الْقَائِلِ الْفِعْلَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الَّتِي يَدْخُلُ هُوَ فِيهَا مَجَازًا لِكَوْنِهِ مُسْتَوِيًا مَعَهُمْ فِي أَمْرٍ مَا وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ هُوَ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْخَاصَّ؛ لِأَنَّ السَّائِبَ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ؛ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ أَنَّهُ كَانَ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ شَارَكَ مَنْ كَانَ يُجَالِسُ النَّبِيَّ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ، فَكَأَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: كُنَّا أَيِ: