فَقَالَ عَلِيٌّ فَذَكَرَ مِثْلَ رِوَايَةِ ثَوْرٍ الْمَوْصُولَةِ، وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عُمَرَ شَاوَرَ النَّاسَ فِي الْخَمْرِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنَّ السَّكْرَانَ إِذَا سَكِرَ هَذَى الْحَدِيثَ.
وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: شَرِبَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْخَمْرَ وَتَأَوَّلُوا الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ فِيهِمْ فَقُلْتُ: أَرَى أَنْ تَسْتَتِيبَهُمْ فَإِنْ تَابُوا ضَرَبْتَهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ وَإِلَّا ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ لِأَنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَاسْتَتَابَهُمْ فَتَابُوا، فَضَرَبَهُمْ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فِي قِصَّةِ الشَّارِبِ الَّذِي ضَرَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِحُنَيْنٍ وَفِيهِ: فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: إنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَمَكُوا فِي الشُّرْبِ وَتَحَاقَرُوا الْعُقُوبَةَ، قَالَ: وَعِنْدَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَسَأَلَهُمْ وَاجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبَهُ ثَمَانِينَ، وَقَالَ عَلِيٌّ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَمَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: فَرَضَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ سَوْطًا وَفَرَضَ فِيهَا عُمَرُ ثَمَانِينَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: جَاءَتِ الْأَخْبَارُ مُتَوَاتِرَةً عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَسُنَّ فِي الْخَمْرِ شَيْئًا، وَيُؤَيِّدُهُ ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَقْيِيدٌ بِعَدَدٍ، حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَقَالَ لِلنَّاسِ: اضْرِبُوهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالنِّعَالِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالْجَرِيدِ، ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تُرَابًا فرمى بِهِ فِي وَجْهِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ، وَهُوَ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: ثُمَّ أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِسَكْرَانَ فَتَوَخَّى الَّذِي كَانَ مِنْ ضَرْبِهِمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ أُتِيَ عُمَرُ بِسَكْرَانَ فَضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ تَنْصِيصٌ عَلَى عَدَدٍ مُعَيَّنٍ فَفِيمَا اعْتَمَدَهُ أَبُو بَكْرٍ حُجَّةٌ عَلَى ذَلِكَ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُضَيْرٍ - بِمُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ - ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ عُثْمَانَ أَمْرَ عَلِيًّا بِجَلْدِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ فِي الْخَمْرِ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ: اجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ قَالَ: أَمْسِكْ، جَلَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ. فَإِنَّ فِيهِ الْجَزْمَ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ جَلَدَ أَرْبَعِينَ، وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ لَيْسَ فِيهَا عَدَدٌ إِلَّا بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الْمَاضِيَةِ عَنْ أَنَسٍ فَفِيهَا نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ عَلِيًّا أَطْلَقَ الْأَرْبَعِينَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ التَّقْرِيبِ.
وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي سَاسَانَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ، وَلِأَنَّ رَاوِيَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ الْمَعْرُوفُ بِالدَّانَاجِ بِنُونٍ وَجِيمٍ ضَعِيفٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُخَرَّجٌ فِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، وَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَوَّاهُ، وَقَدْ صَحَّحَهُ مُسْلِمٌ وَتَلَقَّاهُ النَّاسُ بِالْقَبُولِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا تُعْرَفُ بِثِقَةِ رِجَالِهِ، وَقَدْ عَرَفَهُمْ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ وَقَبِلُوهُمْ، وَتَضْعِيفُهُ الدَّانَاجَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْجَرْحَ بَعْدَ ثُبُوتِ التَّعْدِيلِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مُفَسَّرًا، وَمُخَالَفَةُ الرَّاوِي غَيْرَهُ فِي بَعْضِ أَلْفاظِ الْحَدِيثِ لَا تَقْتَضِي تَضْعِيفَهُ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْجَمْعِ.
قُلْتُ: وَثَّقَ الدَّانَاجَ الْمَذْكُورَ أَبُو زُرْعَةَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ جَلَدَ الْوَلِيدَ أَرْبَعِينَ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ: أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ جَلَدَ ثَمَانِينَ، وَذَكَرْتُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ هُنَاكَ.
وَطَعَنَ الطَّحَاوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَاسَانَ أَيْضًا بِأَنَّ عَلِيًّا قَالَ: وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ، أَيْ: جَلْدُ أَرْبَعِينَ مَعَ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ النَّجَاشِيَّ الشَّاعِرَ فِي خِلَافَتِهِ ثَمَانِينَ، وَبِأَنَّ ابْنَ أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ حَدَّ النَّبِيذِ ثَمَانُونَ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ أَسَانِيدُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، والثَّانِي: عَلَى