للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَجَلَدَهُ النَّبِيُّ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كُلٌّ مِنَ النُّعَيْمَانِ وَوَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ جُلِدَ فِي الشُّرْبِ.

وَقَوِيَ هَذَا عِنْدَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي الْفَاكِهَةِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يُصِيبُ الشَّرَابَ، فَكَانَ يُؤْتَى بِهِ النَّبِيَّ فَيَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَيَأْمُرُ أَصْحَابَهُ فَيَضْرِبُونَهُ بِنِعَالِهِمْ وَيَحْثُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: لَعَنَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

وَحَدِيثُ عُقْبَةَ اخْتَلَفَ أَلْفَاظُ نَاقِلِيهِ؛ هَلِ الشَّارِبُ النُّعَيْمَانُ أَوِ ابْنُ النُّعَيْمَانِ، وَالرَّاجِحُ النُّعَيْمَانُ فَهُوَ غَيْرُ الْمَذْكُورِ هُنَا؛ لِأَنَّ قِصَّةَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَتْ فِي خَيْبَرَ، فَهِيَ سَابِقَةٌ عَلَى قِصَّةِ النُّعَيْمَانِ، فَإِنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، وَالْفَتْحُ كَانَ بَعْدَ خَيْبَرَ بِنَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ شَهْرًا، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ؛ لِأَنَّ عُقْبَةَ بْنَ الْحَارِثِ مِمَّنْ شَهِدَهَا مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ، لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ النُّعَيْمَانَ ضُرِبَ فِي الْبَيْتِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ وَالنَّبِيُّ عِنْدَ رَحْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَى رَحْلِ خَالِدٍ بَيْتًا فَكَأَنَّهُ كَانَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ الَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: بَكِّتُوهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ أَيْ يَقُولُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ يَفْعَلُ مَا يَضْحَكُ مِنْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِسَنَدِ الْبَابِ: أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا وَكَانَ يُهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ الْعُكَّةَ مِنَ السَّمْنِ وَالْعَسَلِ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا مَتَاعَهُ، فَمَا يَزِيدُ النَّبِيُّ أَنْ يَبْتَسِمَ وَيَأْمُرَ بِهِ فَيُعْطَى.

وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: وَكَانَ لَا يَدْخُلُ إِلَى الْمَدِينَةِ طَرْفَةً إِلَّا اشْتَرَى مِنْهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا أَهْدَيْتُه لَك، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهُ يطَلَبَ ثَمَنَهُ جَاءَ بِهِ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الثَّمَنَ، فَيَقُولُ: أَلَمْ تُهْدِهِ إِلَيَّ؟ فَيَقُول: لَيْسَ عِنْدِي، فَيَضْحَكُ وَيَأْمُرُ لِصَاحِبِهِ بِثَمَنِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ صَاحِبَ التَّرْجَمَةِ وَالنُّعَيْمَانَ وَاحِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ) أَيْ بِسَبَبِ شُرْبِهِ الشَّرَابَ الْمُسْكِرَ وكَانَ فِيهِ مُضْمَرَةٌ أَيْ: كَانَ قَدْ جَلَدَهُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِسَنَدِهِ هَذَا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَحُدَّ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَحُدَّ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَحُدَّ، ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَحُدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.

قَوْلُهُ: (فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا) فَذَكَرَ سُفْيَانُ الْيَوْمَ الَّذِي أُتِيَ بِهِ فِيهِ وَالشَّرَابَ الَّذِي شَرِبَهُ مِنْ عِنْد الْوَاقِدِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَانَ قَدْ أُتِيَ بِهِ فِي الْخَمْرِ مِرَارًا.

قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ) فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ فَأَمَرَ بِهِ فَخُفِقَ بِالنِّعَالِ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ: فَجُلِدَ أَيْ ضُرِبَ ضَرْبًا أَصَابَ جِلْدَهُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) لَمْ أَرَ هَذَا الرَّجُلَ مُسَمًّى، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ: فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ثُمَّ رَأَيْتُهُ مُسَمًّى فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ فَعِنْدَهُ فَقَالَ عُمَرُ.

قَوْلُهُ: (مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ) فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ مَا يُضْرَبُ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ مَا أَكْثَرَ مَا يَشْرَبُ وَمَا أَكْثَرَ مَا يُجْلَدُ.

قَوْلُهُ: (لَا تَلْعَنُوهُ) فِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ: لَا تَفْعَلْ يَا عُمَرُ وَهَذَا قَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يَدَّعِي اتِّحَادَ الْقِصَّتَيْنِ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِمَا بَيَّنْتُهُ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَقْتَيْنِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِلنُّعَيْمَانِ، وَلِابْنِ النُّعَيْمَانِ وَأَنَّهُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَلَقَبُهُ حِمَارٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، عَلَى أَنَّ مَا نَافِيَةٌ يُحِيلُ الْمَعْنَى إِلَى ضِدِّهِ، وَأَغْرَبَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ فَقَالَ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَإِنَّ مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَدَّتْ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ عَلِمْتُ لِكَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمَنْسُوبِ وَالْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْمَوْصُولِ، وَالْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ خَبَرُ مُبْتَدَأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ الَّذِي عَلِمْتُ، وَالْجُمْلَةُ فِي