للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جَوَابِ الْقَسَمِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِيهِ تَعَسُّفٌ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: مَا مَوْصُولَةٌ، وَإِنَّهُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مُبْتَدَأٌ، وَقِيلَ: بِفَتْحِهَا، وَهُوَ مَفْعُولُ عَلِمْتُ. قَالَ الطِّيبِيُّ: فَعَلَى هَذَا عَلِمْتُ بِمَعْنَى عَرَفْتُ، وَأنَّهُ خَبَرُ الْمَوْصُولِ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِ الْجَمْعِ: مَا زَائِدَةٌ، أَيْ: فَوَاللَّهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ، وَالْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا مَفْتُوحَةٌ. قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا، أَيْ: مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ سُوءًا، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.

وَنُقِلَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ السَّكَنِ أَنَّ التَّاءَ بِالْفَتْحِ لِلْخِطَابِ تَقْرِيرًا، وَيَصِحُّ عَلَى هَذَا كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُهَا، وَالْكَسْرُ عَلَى جَوَابِ الْقَسَمِ وَالْفَتْحُ مَعْمُولُ عَلِمْتُ، وَقِيلَ: مَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ وَالتَّقْدِيرُ: لَقَدْ عَلِمْتُ.

قُلْتُ: وَقَدْ حَكَى فِي الْمَطَالِع أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ وَعَلَى هَذَا فَالْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَكُسِرَتْ إِنَّ لِأَنَّهَا جَوَابُ الْقَسَمِ.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَجَعْلُ مَا نَافِيَةً أَظْهَرُ لِاقْتِضَاءِ الْقَسَمِ أَنْ يَلْتَقِيَ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَبِإِنَّ وَبِاللَّامِ خِلَافَ الْمَوْصُولَةِ، وَلِأَنَّ الْجُمْلَةَ الْقَسَمِيَّةَ جِيءَ بِهَا مُؤَكِّدَةً لِمَعْنَى النَّفْيِ مُقَرِّرَةً لِلْإِنْكَارِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَمَعْنَى الْحَصْرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِمَنْزِلَةِ تَاءِ الْخِطَابِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِإِرَادَةِ مَزِيدِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْمُخَاطَبِ.

قُلْتُ: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِثْلَ مَا عَزَاهُ لِشَرْحِ السُّنَّةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ: فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إنَّهُ لَيُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَصِحُّ مَعَهُ أَنْ تَكُونَ مَا زَائِدَةً وَأَنْ تَكُونَ ظَرْفِيَّةً، أَيْ مُدَّةَ عِلْمِي، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَالْوَاقِدِيِّ: فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَلَا إِشْكَالَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا جَاءَتْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ: لَا تَفْعَلْ يَا عُمَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ: جَوَازُ التَّلْقِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ، وَهُوَ مَحْمُود هُنَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَكْرَهُهُ، أَوْ أَنَّهُ ذُكِرَ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يُسَمَّى بِعَبْدِ اللَّهِ، أَوْ أَنَّهُ لَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ نُسِبَ إِلَى الْبَلَادَةِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَنْ يَتَّصِفُ بِهَا لِيَرْتَدِعَ بِذَلِكَ.

وَفِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْ لَعْنِهِ وَالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ لَهُ.

وَفِيهِ أَنْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ ارْتِكَابِ النَّهْيِ وَثُبُوتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِ الْمُرْتَكِبِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مَعَ وُجُودِ مَا صَدَرَ مِنْهُ، وَأَنَّ مَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْمَعْصِيَةُ لَا تُنْزَعُ مِنْهُ مَحَبَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَأْكِيدُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ نَفْيَ الْإِيمَانِ عَنْ شَارِبِ الْخَمْرِ لَا يُرَادُ بِهِ زَوَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ نَفْيُ كَمَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِمْرَارُ ثُبُوتِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي قَلْبِ الْعَاصِي مُقَيَّدًا بِمَا إِذَا نَدِمَ عَلَى وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَكَفَّرَ عَنْهُ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُخْشَى عَلَيْهِ بِتَكْرَارِ الذَّنْبِ أَنْ يُطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يُسْلَبَ مِنْهُ ذَلِكَ، نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ.

وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ الْأَمْرِ الْوَارِدِ بِقَتْلِ شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلَى الرَّابِعَةِ أَوِ الْخَامِسَةِ؛ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أُتِيَ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مَرَّةً، وَالْأَمْرُ الْمَنْسُوخُ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ وَأَبُو دَاوُدَ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالدَّارِمِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ (١) كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ، ثُمَّ إِذَا سَكِرَ فَاقْتُلُوهُ وَلِبَعْضِهِمْ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ.

وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ تَعْلِيقًا وَالنَّسَائِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِلَفْظِ: إِذَا شَرِبُوا فَاجْلِدُوهُمْ ثَلَاثًا، فَإِذَا شَرِبُوا الرَّابِعَةَ فَاقْتُلُوهُمْ.

وَرُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ،


(١) في بعض النسخ "وصححه الحاكم"