فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ امْرَأَةً فَقَالَتْ: إِنَّ فُلَانَةَ تَسْتَعِيرُكِ حُلِيًّا فَأَعَارَتْهَا إِيَّاهُ، فَمَكَثَتْ لَا تَرَاهُ، فَجَاءَتْ إِلَى الَّتِي اسْتَعَارَتْ لَهَا فَسَأَلَتْهَا فَقَالَتْ: مَا اسْتَعَرْتُكِ شَيْئًا، فَرَجَعَتْ إِلَى الْأُخْرَى فَأَنْكَرَتْ فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَدَعَاهَا فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا اسْتَعَرْتُ مِنْهَا شَيْئًا فَقَالَ: اذْهَبُوا إِلَى بَيْتِهَا تَجِدُوهُ تَحْتَ فِرَاشِهَا. فَأَتَوْهُ فَأَخَذُوهُ، وَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ الْحَدِيثَ.
فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ سَرَقَتِ الْقَطِيفَةَ وَجَحَدَتِ الْحُلِيَّ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا فِي جَحْدِ الْحُلِيِّ فِي رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ سَرَقَتْ مَجَازًا.
قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ: اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ: فَقَالَ اللَّيْثُ، وَيُونُسُ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ: سَرَقَتْ، وَقَالَ مَعْمَرٌ، وَشُعَيْبٌ: إِنَّهَا اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ، قَالَ: وَرَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ سَنَدًا وَمَتْنًا؛ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ - عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ عَلَيَّ، فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: فَلَمْ يَحْفَظْهُ عَنْ أَحَدٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِيهِ: إِنَّهَا سَرَقَتْ، وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ: إِنَّهَا سَرَقَتْ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَعَنْ رِزْقِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ، لَكِنْ قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِسَارِقٍ فَقَطَعَهُ، فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا.
وَمِثْلُهُ لِأَبِي يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَأ خْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي آخِرِهِ: قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ: كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ: قِيلَ: لِسُفْيَانَ مَنْ ذَكَرَهُ؟ قَالَ: أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ الْمَذْكُورِ، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَقَالَ فِيهِ: سَرَقَتْ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَابْنُ عُيَيْنَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَلَا مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي كِتَابِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِسَمَاعِهِ مِنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ مُعْمِرًا تَفَرَّدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِقَوْلِهِ: اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ تَابَعَهُ شُعَيْبٌ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَيُونُسَ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ عَنْهُ، وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، لِلَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ كَمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ شَبِيبَ بْنَ سَعِيدٍ رَوَاهُ عَنْ يُونُسَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْرَجَهُ ابْنُ أَيْمَنَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ، وَأَخْرَجَ أَصْلَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ.
وَالَّذِي اتَّضَحَ لِي أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظَانِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ تَارَةً بِهَذَا وَتَارَةً بِهَذَا، فَحَدَّثَ يُونُسُ عَنْهُ بِالْحَدِيثَيْنِ، وَاقْتَصَرَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ غَيْرِ يُونُسَ عَلَى أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ امْرَأَةً مَخْزُومِيَّةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِ يَدِهَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَأَبُو عَوَانَةَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ: اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ أَحْمَدُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ، وَانْتَصَرَ لَهُ ابْنُ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى سَرَقَتْ أَرْجَحُ، وَبِالْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَأَمَّا التَّرْجِيحُ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِجَمَاهِيرِ الرُّوَاةِ، قَالَ: وَالشَّاذَّةُ لَا يُعْمَلُ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْحَاشِيَةِ وَتَبِعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: قِيلَ: إِنَّ مَعْمَرًا انْفَرَدَ بِهَا، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: رِوَايَةُ أَنَّهَا سَرَقَتْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنْ رِوَايَةِ الْجَحْدِ؛ فَقَدِ انْفَرَدَ بِهَا مَعْمَرٌ وَحْدَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ، وَتَابَعَهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute