للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذَلِكَ مَنْ لَا يُقْتَدَى بِحِفْظِهِ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ. هَذَا قَوْلُ الْمُحَدِّثِينَ.

قُلْتُ: سَبَقَهُ لِبَعْضِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَهُوَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى رِوَايَتِهِ شُعَيْبٌ، وَيُونُسُ بِمُوَافَقَةِ مَعْمَرٍ؛ إِذْ لَوْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَجْزِمْ بِتَفَرُّدِ مَعْمَرٍ، وَأَنَّ مَنْ وَافَقَهُ كَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ وَنَمَطِهِ، وَلَا زَادَ الْقُرْطُبِيُّ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلْمُحَدِّثِينَ؛ إِذْ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ قَرَنَ شُعَيْبَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ، وَيُونُسَ بْنَ يَزِيدَ، وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى، بِابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، بَلْ هُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا، وَيُونُسَ أَرْفَعُ دَرَجَةً فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنِ ابْنِ أَخِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَرْجِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْهُ إِلَّا لِكَوْنِ رِوَايَةِ سَرَقَتْ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا وَرِوَايَةِ جَحَدَتْ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ، وَهَذَا لَا يَدْفَعُ تَقْدِيمَ الْجَمْعِ إِذَا أَمْكَنَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ عَكْسُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فَقَالَ: لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى مَعْمَرٍ وَلَا عَلَى شُعَيْبٍ وَهُمَا فِي غَايَةِ الْجَلَالَةِ فِي الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ وَافَقَهُمَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا اللَّيْثُ، وَيُونُسُ وَإِنْ كَانَا فِي الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ فَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِمَا فِيهِ، وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ فَدُونَ مَعْمَرٍ، وَشُعَيْبٍ فِي الْحِفْظِ.

قُلْتُ: وَكَذَا اخْتُلِفَ عَلَى أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَلَى هَذَا فَيَتَعَادَلُ الطَّرِيقَانِ وَيَتَعَيَّنُ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِطْرَاحِ أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ: هُمَا قِصَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ لِامْرَأَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّهُمُ اسْتَشْفَعُوا بِأُسَامَةَ وَأَنَّهُ شَفَعَ وَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: لَا تَشْفَعْ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَيَبْعُدُ أَنَّ أُسَامَةَ يَسْمَعُ النَّهْيَ الْمُؤَكَّدَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا سِيَّمَا أنِ اتَّحَدَ زَمَنُ الْقِصَّتَيْنِ، وَأَجَابَ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْسَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّجْرُ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ تَقَدَّمَ، فَظَنَّ أَنَّ الشَّفَاعَةَ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ جَائِزٌ، وَأَنْ لَا حَدَّ فِيهِ فَشَفَعَ فَأُجِيبَ بِأَنَّ فِيهِ الْحَدَّ أَيْضًا، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الِاحْتِمَالَيْنِ.

وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْقِصَّةَ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ اسْتَعَارَتْ وَجَحَدَتْ وَسَرَقَتْ فَقُطِعَتْ لِلسَّرِقَةِ لَا لِلْعَارِيَةِ، قَالَ: وَبِذَلِكَ نَقُولُ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ وَأَشَارَ إِلَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِنَّمَا ذُكِرَتِ الْعَارِيَةُ وَالْجَحْدُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَعْرِيفًا لَهَا بِخَاصِّ صِفَتِهَا؛ إِذْ كَانَتْ تُكْثِرُ ذَلِكَ كَمَا عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مَخْزُومِيَّةٌ، وَكَأَنَّهَا لَمَّا كَثُرَ مِنْهَا ذَلِكَ تَرَقَّتْ إِلَى السَّرِقَةِ وَتَجَرَّأَتْ عَلَيْهَا.

وَتَلَقَّفَ هَذَا الْجَوَابَ مِنَ الْخَطَّابِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ: تُحْمَلُ رِوَايَةُ مَنْ ذَكَرَ جَحْدَ الْعَارِيَةِ عَلَى تَعْرِيفِهَا بِذَلِكَ، وَالْقَطْعَ عَلَى السَّرِقَةِ. وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ نَحْوَهُ، وَنَقَلَهُ الْمَازِرِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: يَتَرَجَّحُ أَنَّ يَدَهَا قُطِعَتْ عَلَى السَّرِقَةِ لَا لِأَجْلِ جَحْدِ الْعَارِيَةِ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهِ الْعَارِيَةُ: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ سَرَقَتْ فَإِنَّ فِيهِ دَلَالَةً قَاطِعَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ قُطِعَتْ فِي السَّرِقَةِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ قَطْعُهَا لِأَجْلِ الْجَحْدِ لَكَانَ ذِكْرُ السَّرِقَةِ لَاغِيًا، وَلَقَالَ: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ جَحَدَتِ الْعَارِيَةَ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا. ثَانِيهَا: لَوْ كَانَتْ قُطِعَتْ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَوَجَبَ قَطْعُ كُلِّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا إِذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْعَارِيَةِ. ثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ حَدِيثُ: لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ قَطْعٌ وَهُوَ حَدِيثٌ قَوِيٌّ.

قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ، وَصَرَّحَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِقَوْلِهِ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ وَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ؛ فَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ إنَّمَا سَمِعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: أَخْبَرَنِي، وَلَا أَحْسَبُهُ سَمِعَهُ.

قُلْتُ: لَكِنْ وُجِدَ لَهُ مُتَابِعٌ عَنْ