النَّسَائِيُّ: لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا.
قُلْتُ: نَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَدْ جَزَمَ الْبَاجِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَلَهُ قَوْلٌ آخَرُ لَا يُقْتَلُ، وَقَالَ عِيَاضٌ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ بِهِ إِلَّا مَا ذَكَرَهُ أَبُو مُصْعَبٍ صَاحِبُ مَالِكٍ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: وَمَنْ سَرَقَ مِمَّنْ بَلَغَ الْحُلَمَ قُطِعَ يَمِينُهُ، ثُمَّ إِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ إِنْ عَادَ فَيَدُهُ الْيُسْرَى ثُمَّ إِنْ عَادَ فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ سَرَقَ فِي الْخَامِسَةِ قُتِلَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ بِقَطْعِ الْيَدِ بَعْدَ الْيَدِ، ثُمَّ الرِّجْلِ بَعْدَ الرِّجْلِ، نُقِلَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ إِنَّمَا قَطَعَ رِجْلَهُ وَكَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ، وَرِجَالُ السَّنَدَيْنِ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِمَا، وَفِيهِ قَوْلٌ رَابِعٌ: تُقْطَعُ الرِّجْلُ الْيُسْرَى بَعْدَ الْيُمْنَى ثُمَّ لَا قَطْعٌ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى أَنَّ عَلِيًّا نَحْوُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ، وَبِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يُتْرَكُ ابْنُ آدَمَ مِثْلَ الْبَهِيمَةِ لَيْسَ لَهُ يَدٌ يَأْكُلُ بِهَا وَيَسْتَنْجِي بِهَا، وَبِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: اضْرِبْهُ وَاحْبِسْهُ فَفَعَلَ، وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَفِيهِ قَوْلٌ خَامِسٌ قَالَهُ عَطَاءٌ: لَا يُقْطَعُ شَيْءٌ مِنَ الرِّجْلَيْنِ أَصْلًا عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ الْقَتْلِ فِي الْخَامِسَةِ مُنْكَرٌ وَقَدْ ثَبَتَ: لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ، وَثَبَتَ: السَّرِقَةُ فَاحِشَةٌ وَفِيهَا عُقُوبَةٌ، وَثَبَتَ عَنِ الصَّحَابَةِ قَطْعُ الرِّجْلِ بَعْدَ الْيَدِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى الْجَزَاءِ فِي الصَّيْدِ، وَإِنْ قُتِلَ خَطَأً وَهُمْ يَقْرَءُونَ ﴿وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ وَيَمْسَحُونَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهُمْ يَقْرَءُونَ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ، وَإِنَّمَا قَالُوا جَمِيعَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ.
أَحَدُهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى: قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرَةَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ: اقْتَصَرَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَسَائِرُ مَنْ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَلَى عَمْرَةَ، وَرَوَاهُ يُونُسُ عَنْهُ فَزَادَ مَعَ عَمْرَةَ عُرْوَةَ.
قُلْتُ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ وَهُوَ إِسْحَاقُ الْحُنَيْنِيُّ - بِمُهْمَلَةٍ وَنُونَيْنِ مُصَغَّرٌ - رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَكَذَا رَوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَهَذَانِ الْإِسْنَادَانِ لَيْسَا صَحِيحَيْنِ وَقَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ تَابَعَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، وَحَمَوَيْهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَرِوَايَةُ يُونُسَ بِجَمْعِهِمَا صَحِيحَةٌ.
قُلْتُ: وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ عَمْرَةَ وَبِسَمَاعِ عَمْرَةَ لَهُ مِنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ، وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ.
قَوْلُهُ: (تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ) فِي رِوَايَةِ يُونُسَ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ، وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ، وَكَذَا عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَمْرَةَ.
قَوْلُهُ: (فَصَاعِدًا) قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ: يَخْتَصُّ هَذَا بِالْفَاءِ، وَيَجُوزُ ثَمَّ بَدَلُهَا وَلَا تَجُوزُ الْوَاوُ، وَقَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ الْمُؤَكِّدَةِ أَيْ وَلَوْ زَادَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صَاعِدًا.
قُلْت: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَمْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَا فَوْقَهُ بَدَلَ فَصَاعِدًا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
قَوْلُهُ: (وَتَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ، وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ) أَيْ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى عَمْرَةَ ثُمَّ سَاقَ رِوَايَةَ يُونُسَ وَلَيْسَ فِي آخِرِهِ فَصَاعِدًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ وَهْبٍ بِإِثْبَاتِهَا، وَأَمَّا