لَيْسَ قَابِلًا لِصِحَّةِ الْعِبَادَةِ مِنْهُ لِزَوَالِ الشُّعُورِ.
وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ سُئِلَ عَنْ إِسْلَامِ الصَّبِيِّ فَقَالَ: لَا يَصِحُّ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَعُورِضَ بِأَنَّ الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْهُ قَلَمُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَأَمَّا قَلَمُ الثَّوَابِ فَلَا لِقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ لَمَّا سَأَلَتْهُ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِقَوْلِهِ: مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا جَرَى لَهُ قَلَمُ الثَّوَابِ فَكَلِمَةُ الْإِسْلَامِ أَجَلُّ أَنْوَاعِ الثَّوَابِ فَكَيْفَ يُقَالُ: إِنَّهَا تَقَعُ لَغْوًا وَيُعْتَدُّ بِحَجِّهِ وَصَلَاتِهِ؟ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَحْتَلِمَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: يُؤَاخَذُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالرِّدَّةِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْمُرَاهِقِ وَيُعْتَبَرُ طَلَاقُهُ لِقَوْلِهِ فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى: حَتَّى يَكْبُرَ، وَالْأُخْرَى: حَتَّى يَشِبَّ.
وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ: حَتَّى يَحْتَلِمَ هِيَ الْعَلَامَةُ الْمُحَقَّقَةُ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِبَارُهَا، وَحَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (عَنْ عُقَيْلٍ) هُوَ ابْنُ خَالِدٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) هَذِهِ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَوَافَقَهُ شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ سِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَجَمَعَهَا مُسْلِمٌ فَوَصَلَ رِوَايَةَ عُقَيْلٍ وَعَلَّقَ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ: وَرَوَاهُ اللَّيْثُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ.
قُلْتُ: وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَيُونُسُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ عَنْ جَابِرٍ، وَجَمَعَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الطُّرُقَ وَأَحَالَ بِلَفْظِهَا عَلَى رِوَايَةِ عُقَيْلٍ، وَسَيَأْتِي لِلْبُخَارِيِّ بَعْدَ بَابَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، وَعَلَّقَ طَرَفًا مِنْهُ لِيُونُسَ، وَابْنِ جُرَيْجٍ وَوَصَلَ رِوَايَةَ يُونُسَ قَبْلَ هَذَا، وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ جُرَيْجٍ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ مَعًا، وَوَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَحْدَهُ.
قَوْلُهُ: (أَتَى رَجُلٌ) زَادَ ابْنُ مُسَافِرٍ فِي رِوَايَتِهِ: مِنَ النَّاسِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ، وَمَعْمَرٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ، وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: رَأَيْتُ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيَّ حِينَ جِيءَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: رَجُلٌ قَصِيرٌ أَعْضَلُ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، وَفِي لَفْظٍ: ذُو عَضَلَاتٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْعَضَلَةُ مَا اجْتَمَعَ مِنَ اللَّحْمِ فِي أَعْلَى بَاطِنِ السَّاقِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُلُّ عَصَبَةٍ مَعَ لَحْمٍ فَهِيَ عَضَلَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: الْعَضَلَةُ لَحْمُ السَّاقِ وَالذِّرَاعِ وَكُلُّ لَحْمَةٍ مُسْتَدِيرَةٌ فِي الْبَدَنِ وَالْأَعْضَلُ الشَّدِيدُ الْخَلْقِ وَمِنْهُ أَعْضَلَ الْأَمْرُ إِذَا اشْتَدَّ، لَكِنْ دَلَّتِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا كَثِيرُ الْعَضَلَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَأَعْرَضَ عَنْهُ) زَادَ ابْنُ مُسَافِرٍ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَيِ انْتَقَلَ مِنَ النَّاحِيَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا إِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي يَسْتَقْبِلُ بِهَا وَجْهَ النَّبِيِّ ﷺ، وَتِلْقَاءَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ أُقِيمَ مَقَامَ الظَّرْفِ أَيْ مَكَانَ تِلْقَاءِ فَحُذِفَ مَكَانُ قَبْلُ، وَلَيْسَ مِنَ الْمَصَادِرِ تِفْعَالٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ إِلَّا هَذَا وَتِبْيَانٌ وَسَائِرُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَأَمَّا الْأَسْمَاءُ بِهَذَا الْوَزْنِ فَكَثِيرَةٌ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى رَدَّدَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: حَتَّى رَدَّ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ: حَتَّى ثَنَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ بِمُثَلَّثَةٍ بَعْدَهَا نُونٌ خَفِيفَةٌ أَيْ كَرَّرَ، وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: قَالَ: وَيْحَكَ، ارْجِعْ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ وَتُبْ إِلَيْهِ، فَرَجَعَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَهِّرْنِي، وَفِي لَفْظٍ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَاهُ، وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ: إنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إِنَّ الْآخِرَ زَنَى، قَالَ: فَتُبْ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. ثُمَّ أَتَى عُمَرَ كَذَلِكَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثَلَاثَ مَرار، حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ بَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ