الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي؛ فَإِنِّي مَشْغُولٌ، قَالَ: اخْرُجْ إِلَيَّ فَإِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، إِنَّ الْأَنْصَارَ اجْتَمَعُوا فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُونُ بَيْنَكُمْ فِيهِ حَرْبٌ، فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: انْطَلِقْ.
قَوْلُهُ: (فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ) زَادَ جُوَيْرِيَةُ: فَلَقِيَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ بِيَدِهِ يَمْشِي بَيْنِي وَبَيْنَهُ.
قَوْلُهُ: (لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: شَهِدَا بَدْرًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ: رَجُلَا صِدْقٍ عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ، وَمَعْنَ بْنَ عَدِيٍّ كَذَا أَدْرَجَ تَسْمِيَتَهُمَا، وَبَيَّنَ مَالِكٌ أَنَّهُ قَوْلُ عُرْوَةَ وَلَفْظُهُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُمَا مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: هُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ عُرْوَةَ، ثُمَّ وَجَدْتُهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ رِوَايَةً فِي هَذَا الْبَابِ بِزِيَادَةٍ، فَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ فِيهِ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ الرَّجُلَيْنِ فَسَمَّاهُمَا وَزَادَ: فَأَمَّا عُوَيْمٌ فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾؟ قَالَ: نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ.
وَأَمَّا مَعْنٌ فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حِينَ تَوَفَّاهُ اللَّهُ وَقَالُوا: وَدِدْنَا أَنَّا مِتْنَا قَبْلَهُ لِئَلَّا نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ، فَقَالَ مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ لَوْ مِتُّ قَبْلَهُ حَتَّى أُصَدِّقَهُ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْتُهُ حَيًّا، وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ.
قَوْلُهُ: (مَا تَمَالَأَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَمْزِ أَيِ اتَّفَقَ، وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ: الَّذِي صَنَعَ الْقَوْمُ أَيْ مِنِ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنْ يُبَايِعُوا لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.
قَوْلُهُ: (لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ) لَا بَعْدَ أَنْ زَائِدَةٌ.
قَوْلُهُ: (اقْضُوا أَمْرَكُمْ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ امْهَلُوا حَتَّى تَقْضُوا أَمْرَكُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَنْصَارَ كُلَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ.
قَوْلُهُ: (مُزَمَّلٌ) بِزَايٍ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مُلَفَّفٌ.
قَوْلُهُ: (بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ أَيْ فِي وَسَطِهِمْ.
قَوْلُهُ: (يُوعَكُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَحْصُلُ لَهُ الْوَعْكُ - وَهُوَ الْحُمَّى بِنَافِضٍ - وَلِذَلِكَ زُمِّلَ، وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ: وُعِكَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِسَعْدٍ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَعْدًا كَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ وَالَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ أَعْوَانَهُ وَأَنْصَارَهُ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ، وَسِيَاقُ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ جَاءَ فَوَجَدَهُ مَوْعُوكًا، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بَعْدَ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ لَكَانَ لَهُ بَعْضُ اتِّجَاهٍ لِأَنَّ مِثْلَهُ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْغَيْظِ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: قَالُوا: سَعْدٌ وُجِعَ يُوعَكُ، وَكَأَنَّ سَعْدًا كَانَ مَوْعُوكًا فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ - وَهُوَ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَنْزِلِهِ وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالَةِ، فَطَرَقَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
قَوْلُهُ: (تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ يُدْعَى خَطِيبَ الْأَنْصَارِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ هُوَ.
قَوْلُهُ: (وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ) الْكَتِيبَةُ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَزْنُ عَظِيمَةٍ، وَجَمْعُهَا كَتَائِبُ هِيَ الْجَيْشُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي لَا يَتَقَشَّرُ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مُبَالَغَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ مُجْتَمَعُ الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْتُمْ مَعْشَرُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مَعَاشِرُ.
قَوْلُهُ: (رَهْطٌ) أَيْ قَلِيلٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَالُ لِلْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا، زَادَ ابْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنَّا، وَكَذَا لِمَعْمَرٍ، وَهُوَ يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الرَّهْطِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ، أَيْ أَنْتُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا قَلِيلٌ، لِأَنَّ عَدَدَ الْأَنْصَارِ فِي الْمَوَاطِنِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي ضُبِطَتْ كَانُوا دَائِمًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ الْمُهَاجِرِينَ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِلَّا فَلَوْ أُرِيدَ عُمُومُ مَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْأَنْصَارِ لَكَانُوا أَضْعَافَ أَضْعَافِ الْأَنْصَارِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ أَيْ عَدَدٌ قَلِيلٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّفِّ وَهُوَ السَّيْرُ الْبَطِيءُ فِي جَمَاعَةٍ.
قَوْلُهُ: (يَخْتَزِلُونَا) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَزَايٍ أَيْ يَقْتَطِعُونَا عَنِ الْأَمْرِ وَيَنْفَرِدُوا بِهِ دُونَنَا، وَقَالَ أَبُو