للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِنَفْيِ عَامٍ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ"

قَوْلُهُ: (بَابُ الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ) هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ خَبَرٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَهُ وَزَادَ: وَالثَّيِّبَانِ يُجْلَدَانِ وَيُرْجَمَانِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الزِّيَادَةَ بِلَفْظِ: وَالثَّيِّبَانِ يُرْجَمَانِ وَاللَّذَانِ بَلَغَا سِنًّا يُجْلَدَانِ ثُمَّ يُرْجَمَانِ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَسْرُوقٍ: الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ، وَالثَّيِّبَانِ يُرْجَمَانِ وَلَا يُجْلَدَانِ، وَالشَّيْخَانِ يُجْلَدَانِ ثُمَّ يُرْجَمَانِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي بَابِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ، وَنَقَلَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الزَّانِي إِلَّا عَنِ الْكُوفِيِّينَ، وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ مِنْهُمُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَسَأَذْكُرُهُ فِي بَابِ لَا تَغْرِيبَ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا تُنْفَى.

وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالتَّغْرِيبِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَدَاوُدُ، وَالطَّبَرِيُّ بِالتَّعْمِيمِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ: لَا يُنْفَى الرَّقِيقُ، وَخَصَّ الْأَوْزَاعِيُّ النَّفْيَ بِالذُّكُورِيَّةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَيَّدَهُ بِالْحُرِّيَّةِ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ الْحُرِّيَّةَ بِأَنَّ فِي نَفْيِ الْعَبْدِ عُقُوبَةٌ لِمَالِكِهِ؛ لِمَنْعِهِ مَنْفَعَتَهُ مُدَّةَ نَفْيِهِ، وَتَصَرُّفُ الشَّرْعِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعَاقَبَ إِلَّا الْجَانِي، وَمِنْ ثَمَّ سَقَطَ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ عَنِ الْعَبْدِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَقْسَمَ النَّبِيُّ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي فِيهِ بِكِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ، وَخَطَبَ عُمَرُ بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يُنْفَى إِلَيْهَا: فَقِيلَ هُوَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مَسَافَةُ الْقَصْرِ، وَقِيلَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ إِلَى يَوْمَيْنِ، وَقِيلَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَقِيلَ مِنْ عَمَلٍ إِلَى عَمَلٍ، وَقِيلَ إِلَى مِيلٍ، وَقِيلَ إِلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ نَفْيٍ.

وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ الْحَبْسَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يُنْفَى إِلَيْهِ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ لَا تَغْرِيبَ عَلَى الْأَمَةِ وَلَا نَفْيَ وَمِنْ عَجِيبِ الِاسْتِدْلَالِ احْتِجَاجُ الطَّحَاوِيِّ لِسُقُوطِ النَّفْيِ أَصْلًا بِأَنَّ نَفْيَ الْأَمَةِ سَاقِطٌ بِقَوْلِهِ: بِيعُوهَا كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَالَ: وَإِذَا سَقَطَ عَنِ الْأَمَةِ سَقَطَ عَنِ الْحُرَّةِ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا، وَيَتَأَكَّدُ بِحَدِيثِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قَالَ: وَإِذَا انْتَفَى أَنْ يَكُونَ عَلَى النِّسَاءِ نَفْيٌ انْتَفَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الرِّجَالِ، كَذَا قَالَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ إِذَا سَقَطَ خُصَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ، وَهُوَ مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا.

قَوْلُهُ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْلِهِ: الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْجَلْدَ ثَابِتٌ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَامَ الْإِجْمَاعُ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْبِكْرِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُحْصَنِ فِي بَابِ رَجْمِ الْمُحْصَنِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْجَلْدِ؛ فَعَنْ مَالِكٍ: يَخْتَصُّ بِالظَّهْرِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ اللِّعَانِ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا جَلْدٌ فِي ظَهْرِكَ.

وَقَالَ غَيْرُهُ: يُفَرَّقُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَيُتَّقَى الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ، وَيُجْلَدُ فِي الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالتَّعْزِيرِ قَائِمًا مُجَرَّدًا، وَالْمَرْأَةَ قَاعِدَةً، وَفِي الْقَذْفِ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ.

وَقَالَ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا يُجَرَّدُ أَحَدٌ فِي الْحَدِّ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ لِلنَّفْيِ ذِكْرٌ فَتَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: لَا يُزَادُ عَلَى الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَشْهُورٌ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ عَمِلُوا بِمِثْلِهِ بَلْ بِدُونِهِ كَنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ وَجَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ.

وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا: خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا: الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّ يُحْبَسْنَ فِي الْبُيُوتِ إِنْ مَاتَتْ مَاتَتْ وَإِنْ عَاشَتْ عَاشَتْ: لَمَّا نَزَلَ ﴿وَاللاتِي