يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا﴾ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ رَأْفَةٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ فِي لِبَعْضِهِمْ، وَلِبَعْضِهِمْ ابْنُ عُلَيَّةَ بِلَامٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ، وَعَلَيْهِ جَرَى ابْنُ بَطَّالٍ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ ذَكَرَ مُغَلْطَايْ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ رَآهُ فِي تَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ.
قُلْتُ: وَوَقَعَ نَظِيرُهُ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ: يُقَامُ وَلَا يُعَطَّلُ وَالْمُرَادُ بِتَعْطِيلِ الْحَدِّ تَرْكُهُ أَصْلًا أَوْ نَقْصُهُ عَدَدًا وَمَعْنًى، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ﴾ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ الِاجْتِزَاءَ بِوَاحِدٍ، وَعَنْ إِسْحَاقَ اثْنَيْنِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ثَلَاثَةٍ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيٍّ أَرْبَعَةٍ، وَعَنْ رَبِيعَةَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، وَعَنِ الْحَسَنِ عَشَرَةٍ. وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَدْنَاهَا رَجُلٌ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ﴾ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَعَنْ عَطَاءٍ اثْنَانِ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ثَلَاثَةٌ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾
قَوْلُهُ: (عَبْدُ الْعَزِيزِ) هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) هَكَذَا اخْتَصَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنَ السَّنَدِ ذِكْرَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنَ الْمَتْنِ سِيَاقَ قِصَّةِ الْعَسِيفِ كُلِّهَا، وَاقْتَصَرَ مِنْهَا عَلَى قَوْلِهِ: يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شِهَابٍ اخْتَصَرَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ، وَقَوْلُهُ: جَلْدَ مِائَةٍ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَفْظِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُ فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصَنْ بِجَلْدِ مِائَةٍ وَتَغْرِيبِ عَامٍ وَقَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ) هُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ، لَكِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ أَخْرَجُوهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْهُ، وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَوْهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
قَوْلُهُ: (غَرَّبَ ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تِلْكَ السُّنَّةَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ: حَتَّى غَرَّبَ مَرْوَانُ ثُمَّ تَرَكَ النَّاسُ ذَلِكَ يَعْنِي أَهْلَ الْمَدِينَةِ.
قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ (عَنْ عُقَيْلٍ) وَوَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) هَكَذَا خَالَفَ عُقَيْلٌ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي شَيْخِ الزُّهْرِيِّ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَتْنُ مُخْتَصَرًا مِنْ قِصَّةِ الْعَسِيفِ، فَقَدْ وَافَقَ عَبْدُ الْعَزِيزِ جَمِيعَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ؛ فَإِنَّ شَيْخَهُ عِنْدَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ لَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا آخَرَ فَالرَّاجِحُ قَوْلُ عُقَيْلٍ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، لَكِنْ قَدْ رَوَى عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ الْحَدِيثَ الْآخَرَ مُوَافِقًا لِعَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُجَيْنٍ - بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مُصَغَّرٌ - ابْنُ الْمُثَنَّى، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْوِلَاءِ: حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْهُ، وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْهُ. وَابْنُ شِهَابٍ صَاحِبُ حَدِيثٍ لَا يُسْتَنْكَرُ مِنْهُ حَمْلُهُ الْحَدِيثَ عَنْ جَمَاعَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ.
قَوْلُهُ: (بِنَفْيٍّ عَامٍّ وَبِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ: أَنْ يُنْفَى عَامًا مَعَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَعُرِفَ أَنَّ الْبَاءَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ بِمَعْنَى مَعَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ مَا ذُكِرَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ جَلْدُ الْمِائَةِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهَا الْجَلْدُ لِكَوْنِهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّفْيَ تَعْزِيرٌ وَأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ