عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، فَلَوْ نُظِرَ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ لَقِيلَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَالُوا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ، وَعَكَسَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْقَوْلُ بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَاعْتَذَرَ الدَّاوُدِيُّ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغْ مَالِكًا هَذَا الْحَدِيثُ فَكَانَ يَرَى الْعُقُوبَةَ بِقَدْرِ الذَّنْبِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ بَلَغَهُ مَا عَدَلَ عَنْهُ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الْوِصَالِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ: فَوَاصَلَ بِهِمْ كَالْمُنَكِّلِ بِهِمْ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: فِيهِ أَنَّ التَّعْزِيرَ مَوْكُولٌ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ لِقَوْلِهِ: لَوِ امْتَدَّ الشَّهْرُ لَزِدْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّعْزِيرِ مَا يَرَاهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، لَكِنْ لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي عَدَدٍ مِنَ الضَّرْبِ أَوِ الْجَلْدِ، فَيَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ، وَهَذَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مَتْرُوكٍ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفْطِرَاتِ، وَالْأَلَمُ فِيهِ يَرْجِعُ إِلَى التَّجْوِيعِ وَالتَّعْطِيشِ، وَتَأْثِيرُهُمَا فِي الْأَشْخَاصِ مُتَفَاوِتٌ جِدًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِينَ وَاصَلَ بِهِمْ كَانَ لَهُمُ اقْتِدَارٌ عَلَى ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَوْ تَمَادَى حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى عَجْزِهِمْ عَنْهُ لَكَانَ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فِي زَجْرِهِمْ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّعْزِيرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الرَّدْعُ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْعَشْرِ بِأَنْ يَخْتَلِفَ الْحَالُ فِي صِفَةِ الْجَلْدِ أَوِ الضَّرْبِ تَخْفِيفًا وَتَشْدِيدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
نَعَمْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ التَّعْزِيرِ بِالتَّجْوِيعِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ شُعَيْبٌ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَيُونُسُ عن الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) أَيْ تَابَعُوا عُقَيْلًا فِي قَوْلِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَخَالَفَهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فَقَالَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ.
قُلْتُ: فَأَمَّا مُتَابَعَةُ شُعَيْبٍ فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّفُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ فَوَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ، وَأَمَّا مُتَابَعَةُ يُونُسَ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي خَالِدٍ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ، وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ رَوَاهُ عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورِ فَجَمَعَ فِيهِ بَيْنَ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَمِرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَيْهِ كَذَلِكَ، انْتَهَى.
وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي عَيَّاشٌ) بِتَحْتَانِيَّةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ سَالِمٍ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَضْرِبُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جِزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ) فِي رِوَايَةِ أَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ، عَنِ الْفَرَبْرِيِّ: سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِلَخْ فَصَارَتْ صُورَةُ الْإِسْنَادِ الْإِرْسَالَ، وَالصَّوَابُ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَتَصَحَّفَتْ عَنْ فَصَارَتْ ابْنِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ: عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَديثِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مُسْتَوْفًى.
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ تَأْدِيبِ مَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ الشَّرْعِيَّ فَتَعَاطَى الْعُقُودَ الْفَاسِدَةَ بِالضَّرْبِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ إِقَامَةِ الْمُحْتَسِبِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَالضَّرْبُ الْمَذْكُورُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْأَمْرَ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِهِ.
الحديث الرابع
قَوْلُهُ: (عَبْدَانُ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، وَعَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ.
قَوْلُهُ: (مَا انْتَقَمَ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي أَوَائِلِ الْحُدُودِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.