للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَيْئًا بِرِجْلِهَا مَثَلًا أَوْ يَطْعَنَهَا أَوْ يَزْجُرَهَا حِينَ يَسُوقَهَا أَوْ يَقُودَهَا حَتَّى تُتْلِفَ مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا كَانَ مَعَ الْبَهِيمَةِ إِنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ سَوَاءٌ كَانَ سَائِقًا أَوْ رَاكِبًا أَوْ قَائِدًا، سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ غَاصِبًا، وَسَوَاءٌ أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ رَأْسِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِتْلَافَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ هُوَ مَعَ الْبَهِيمَةِ حَاكِمٌ عَلَيْهَا فَهِيَ كَالْآلَةِ بِيَدِهِ فَفِعْلُهَا مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ سَوَاءٌ حَمَلَهَا عَلَيْهِ أَمْ لَا، سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا وَعَنْ مَالِكٍ كَذَلِكَ إِلَّا إِنْ رَمَحَتْ بِغَيْرِ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا أَحَدٌ شَيْئًا تَرْمَحُ بِسَبَبِهِ، وَحَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجُمْهُورِ.

وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْبَزَّارِ بِلَفْظِ: السَّائِمَةُ جُبَارٌ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَجْمَاءِ الْبَهِيمَةُ الَّتِي تَرْعَى لَا كُلُّ بَهِيمَةٍ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالسَّائِمَةِ هُنَا الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ عَلَى السَّائِمَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الَّتِي لَا تُعْلَفُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا هُنَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي إِتْلَافِ الْبَهِيمَةِ لِلزُّرُوعِ وَغَيْرِهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَهَارًا، وَأَمَّا بِاللَّيْلِ فَإِنَّ عَلَيْهِ حِفْظَهَا، فَإِذَا أَتْلَفَتْ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّخْصِيصِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ ﵁ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مَيْسَرَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ:: كَانَتْ لَهُ نَاقَةٌ ضَارِيَةٌ فَدَخَلَتْ حَائِطًا فَأَفْسَدَتْ فِيهِ، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّ حِفْظَ الْحَوَائِطِ بِالنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ حِفْظَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ عَلَى أَهْلِهَا، وَأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي مَا أَصَابَتْ مَاشِيَتُهُمْ بِاللَّيْلِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ حَرَامًا، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَزَادَ فِيهِ رَجُلًا قَالَ: عَنْ حَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ عَنْ أَبِيهِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً.

وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الْمُزَنِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْهُ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فَزَادَ مَعَ حَرَامٍ، سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَا: إِنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ فَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ عَلَى أَلْوَانٍ وَالْمُسْنَدُ مِنْهَا طَرِيقُ حَرَامٍ، عَنِ الْبَرَاءِ. وَحَرَامٌ بِمُهْمَلَتَيْنِ اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ ابْنُ مُحَيِّصَةَ نَفْسُهُ أَوِ ابْنُ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا الزُّهْرِيُّ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ.

قُلْتُ: وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ سَعْدٍ، وَابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْبَرَاءِ، انْتَهَى.

وَعَلَى هَذَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنِ الْبَرَاءِ أَيْ عَنْ قِصَّةِ نَاقَةِ الْبَرَاءِ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِلزَّهْرِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاخٍ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ حَدَّثَ بِهِ الثِّقَاتُ وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ، وَأَمَّا إِشَارَةُ الطَّحَاوِيِّ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَقَدْ تَعَقَّبُوهُ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّارِيخِ.

وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَخَذْنَا بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ لِثُبُوتِهِ وَمَعْرِفَةِ رِجَالِهِ وَلَا يُخَالِفُهُ حَدِيثُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخَاصُّ، فَلَمَّا قَالَ: الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ وَقَضَى فِيمَا أَفْسَدَتِ الْعَجْمَاءُ بِشَيْءٍ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا أَصَابَتِ الْعَجْمَاءُ مِنْ جَرْحٍ وَغَيْرِهِ فِي حَالٍ جُبَارٌ وَفِي حَالٍ غَيْرُ جُبَارٍ، ثُمَّ نَقَضَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْأَخْذِ بِعُمُومِهِ فِي تَضْمِينِ الرَّاكِبِ مُتَمَسِّكِينَ بِحَدِيثِ الرِّجْلُ جُبَارٌ مَعَ ضَعْفِ رَاوِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَعَقَّبَ بَعْضُهُمْ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَهُمْ إِنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ إِرْسَالَ الْمَوَاشِي لَيْلًا وَحَبْسِهَا نَهَارًا انْعَكَسَ الْحُكْمُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَجَابُوا بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ الْقَسْمُ الْوَاجِبُ لِلْمَرْأَةِ لَوْ كَانَ يَكْتَسِبُ لَيْلًا وَيَأْوِي إِلَى أَهْلِهِ نَهَارًا