للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَلِيهِ مَذْهَبُ مُعَاذٍ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا رَأَى التَّغْلِيظَ بِذَلِكَ فَعَلَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى تَفْسِيرِ وَيْحَ بِأَنَّهَا كَلِمَةُ رَحْمَةٍ فَتَوَجَّعَ لَهُ لِكَوْنِهِ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَاعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ مُطْلَقًا فَأَنْكَرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا رِضًا بِمَا قَالَ، وَأَنَّهُ حَفِظَ مَا نَسِيَهُ بِنَاءً عَلَى أَحَدِ مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ وَيْحَ: إنَّهَا تُقَالُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ كَمَا حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ: هِيَ فِي مَوْضِعِ رَأْفَةٍ وَاسْتِمْلَاحٍ، كَقَوْلِكَ لِلصَّبِيِّ: وَيْحَهُ مَا أَحْسَنَهُ؛ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ.

وَقَوْلُهُ: مَنْ هُوَ عَامٌّ تُخَصُّ مِنْهُ مَنْ بَدَّلَهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الظَّاهِرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فِي الظَّاهِرِ لَكِنْ مَعَ الْإِكْرَاهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ بَعْدَ هَذَا، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ كَالْمُرْتَدِّ، وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالذِّكْرِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ النَّهْيَ عَلَى الْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِذَا لَمْ تُبَاشِرِ الْقِتَالَ وَلَا الْقَتْلَ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ لَمَّا رَأَى الْمَرْأَةَ مَقْتُولَةً: مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ مَنِ الشَّرْطِيَّةَ لَا تَعُمُّ الْمُؤَنَّثَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْخَبَرِ قَدْ قَالَ: تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ امْرَأَةً ارْتَدَّتْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ، وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا فِي قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ، وَاحْتَجُّوا مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْأَصْلِيَّةَ تُسْتَرَقُّ فَتَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُجَاهِدِينَ وَالْمُرْتَدَّةُ لَا تُسْتَرَقُّ عِنْدَهُمْ فَلَا غُنْمَ فِيهَا فَلَا يُتْرَكُ قَتْلُهَا.

وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ: أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا. وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ.

وَمِنْ صُوَرِ الزِّنَا رَجْمُ الْمُحْصَنِ حَتَّى يَمُوتَ فَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، فَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى قَتْلُ الْمُرْتَدَّةِ، وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي قَتْلِ مَنِ انْتَقَلَ مِنْ دِينِ كُفْرٍ إِلَى دِينِ كُفْرٍ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ أَوْ لَا، وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الْعُمُومَ فِي الْحَدِيثِ فِي الْمُبْدِلِ لَا فِي التَّبْدِيلِ، فَأَمَّا التَّبْدِيلُ فَهُوَ مُطْلَقٌ لَا عُمُومَ فِيهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَهُوَ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا فِي الْكَافِرِ وَلَوْ أَسْلَمَ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ مُرَادًا، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكُفْرَ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، فَلَوْ تَنَصَّرَ الْيَهُودِيُّ لَمْ يَخْرُجُ عَنْ دِينِ الْكُفْرِ، وَكَذَا لَوْ تَهَوَّدَ الْوَثَنِيُّ، فَوَضَحَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ بَدَّلَ دِينَ الْإِسْلَامِ بِدِينٍ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الدِّينَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْإِسْلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ بِزَعْمِ الْمُدَّعِي.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، فَقَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ لَا يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ، سَلَّمْنَا، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ، بَلْ عَدَمُ الْقَبُولِ وَالْخُسْرَانِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْآخِرَةِ، سَلَّمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْقَبُولِ يُسْتَفَادُ مِنْهُ عَدَمُ التَّقْرِيرِ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ الْمُسْتَفَادَ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ، فَلَوْ رَجَعَ إِلَى الدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَكَانَ مَقَرًّا عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ مَعَ إِمْكَانِ الْإِمْسَاكِ بِأَنَّا لَا نَقْبَلُ مِنْهُ وَلَا نَقْتُلُهُ، وَيُؤَيِّدُ تَخْصِيصَهُ بِالْإِسْلَامِ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: مَنْ خَالَفَ دِينَهُ دِينَ الْإِسْلَامِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَتْلِ الزِّنْدِيقِ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عَلِيًّا اسْتَتَابَهُمْ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْقَبُولِ مُطْلَقًا، وَقَالَ: يُسْتَتَابُ الزِّنْدِيقُ كَمَا يُسْتَتَابُ الْمُرْتَدُّ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا لَا يُسْتَتَابُ، وَالْأُخْرَى إِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ لَمْ