مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا) يُفَسَّرُ بِهِ رِوَايَةُ أَبِي الْعُمَيْسِ: فَاعْتَذَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّا قَالُوا، وَقُلْتُ: لَمْ أَدْرِ مَا حَاجَتُهُمْ، فَصَدَّقَنِي وَعَذَرَنِي، وَفِي لَفْظٍ: فَقَالَ: لَمْ أَعْلَمْ لِمَاذَا جَاءَا.
قَوْلُهُ: (لَنْ أَوْ لَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: إِنَّا وَاللَّهِ.
قَوْلُهُ: (لَا نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ) فِي رِوَايَةِ أَبِي الْعُمَيْسِ: مَنْ سَأَلَنَا بِفَتْحِ اللَّامِ، وَفِي رِوَايَةِ يَزِيدَ: أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ، وَفِي أُخْرَى: فَقَالَ إِنَّ أَخْوَنَكُمْ عِنْدَنَا مَنْ يَطْلُبُهُ فَلَمْ يَسْتَعِنْ بِهِمَا فِي شَيْءٍ حَتَّى مَاتَ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، وَأَدْخَلَ أَبُو دَاوُدَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بُرْدَةَ رَجُلًا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَتْبَعَهُ) بِهَمْزَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ.
قَوْلُهُ: (مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) بِالنَّصْبِ أَيْ بَعَثَهُ بَعْدَهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَاتَّبَعَهُ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَتَشْدِيدٍ، وَمُعَاذٌ بِالرَّفْعِ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي بِلَفْظِ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أَبَا مُوسَى، وَمُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا الْحَدِيثَ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَضَافَ مُعَاذًا إِلَى أَبِي مُوسَى بَعْدَ سَبْقِ وِلَايَتِهِ لَكِنْ قَبْلَ تَوَجُّهِهِ فَوَصَّاهُمَا عِنْدَ التَّوَجُّهِ بِذَلِكَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَصَّى كُلًّا مِنْهُمَا وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ) تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مُسْتَقِلٍّ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ فَقَرُبَ مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا، وَفِي أُخْرَى هُنَاكَ: فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ، أَبَا مُوسَى، وَفِي أُخْرَى: فَضَرَبَ فُسْطَاطًا، وَمَعْنَى أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً: فَرَشَهَا لَهُ لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ، وَالْأَصِيلِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ: الْفِرَاشِ، وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ: هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْوِسَادَةِ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِ النَّائِمِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، قَالَ: وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ أَرَادُوا إِكْرَامَهُ وَضَعُوا الْوِسَادَةَ تَحْتَهُ مُبَالَغَةً فِي إِكْرَامِهِ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهِ فَأَلْقَى لَهُ وِسَادَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ فَطَرَحَ لَهُ وِسَادَةً، فَقَالَ لَهُ: مَا جِئْتُ لِأَجْلِسَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْفِرَاشَ يُسَمَّى وِسَادَةً.
قَوْلُهُ: (قَالَ انْزِلْ) أَيْ فَاجْلِسْ عَلَى الْوِسَادَةِ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَجُلٌ إِلَخْ) هِيَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْجَوَابِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ: كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ: ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ دِينَ السُّوءِ.
وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَدِمَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى أَبِي مُوسَى فَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَالَ: مَا هَذَا - فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَزَادَ - وَنَحْنُ نُرِيدُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ مُنْذُ أَحْسَبُهُ شَهْرَيْنِ.
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُعَاذٍ، وَأَبِي مُوسَى: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُمَا أَنْ يُعَلِّمَا النَّاسَ، فَزَارَ مُعَاذٌ، أَبَا مُوسَى فَإِذَا عِنْدَهُ رَجُلٌ مُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ: يَا أَخِي أَوَبُعِثْتَ تُعَذِّبُ النَّاسَ إِنَّمَا بُعِثْنَا نُعَلِّمُهُمْ دِينَهُمْ وَنَأْمُرُهُمْ بِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أُحْرِقَهُ بِالنَّارِ.
قَوْلُهُ: (لَا أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ وَيَجُوزُ النَّصْبُ.
قَوْلُهُ: (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَيْ كَرَّرَ هَذَا الْكَلَامَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَبَيَّنَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُمَا كَرَّرَا الْقَوْلَ، أَبُو مُوسَى يَقُولُ: اجْلِسْ، وَمُعَاذٌ يَقُولُ: لَا أَجْلِسُ، فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي لَا تَتِمَّةَ كَلَامِ مُعَاذٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بَعْدَ قَوْلِهِ قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ: إِنَّ مَنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ - أَوْ قَالَ: بَدَّلَ دِينَهُ - فَاقْتُلُوهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ) فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ: فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْعُدُ حَتَّى تَضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا: فَأُتِيَ بِحَطَبٍ فَأَلْهَبَ فِيهِ النَّارَ فَكَتَّفَهُ وَطَرَحَهُ فِيهَا، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ ضَرَبَ عُنُقَهُ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي النَّارِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مُعَاذًا، وَأَبَا مُوسَى كَانَا يَرَيَانِ جَوَازَ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ