رِوَايَتِهِ الْمَاضِيَةِ فِي الْأَدَبِ الضَّحَّاكَ الْمِشْرَقِيَّ لَكِنَّهُ أَفْرَدَهُ هُنَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَامْتَازَ لَفْظُهُ عَنْ لَفْظِ الضَّحَّاكِ.
قَوْلُهُ: (فَسَأَلَاهُ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ ﷺ كَذَا لِلْجَمِيعِ بِحَذْفِ الْمَسْمُوعِ، وَقَدْ بَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ يَذْكُرُهَا، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: قُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ الْحَرُورِيَّةَ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالطَّبَرِيُّ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: جِئْنَا أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْنَا فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ: أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا سَعِيدٍ عَنِ الْحَرُورِيَّةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ لَا أَدْرِي مَا الْحَرُورِيَّةُ) هَذَا يُغَايِرُ قَوْلَهُ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ: وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا قَتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الَّذِي سَاقَهُ فِي الْحَرُورِيَّةِ أَوْ لَا، وَمُقْتَضَى الثَّانِي أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِمْ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالنَّفْيِ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ فِيهِمْ نَصًّا بِلَفْظِ الْحَرُورِيَّةِ وَإِنَّمَا سَمِعَ قِصَّتَهُمُ الَّتِي دَلَّ وُجُودُ عَلَامَتِهِمْ فِي الْحَرُورِيَّةِ بِأَنَّهُمْ هُمْ.
قَوْلُهُ: (يَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمْ يَقُلْ مِنْهَا) لَمْ تَخْتَلِفِ الطُّرُقُ الصَّحِيحَةُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فِي ذَلِكَ، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذَكَرَ قَوْمًا يَكُونُونَ فِي أُمَّتِهِ، وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ: تَمْرُقُ عِنْدَ فِرْقَةٍ مَارِقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ الضَّحَّاكِ الْمِشْرَقِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ: مِنْ أُمَّتِي فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِلَفْظِ: سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فِقْهِ الصَّحَابَةِ وَتَحْرِيرِهِمُ الْأَلْفَاظَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ إِلَى تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قَوْلُهُ: (تَحْقِرُونَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ تَسْتَقِلُّونَ.
قَوْلُهُ: (صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كَمَا فِي الْبَابِ بَعْدَهُ: وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ شُمَيْخٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَوَصَفَ عَاصِمٌ أَصْحَابَ نَجْدَةَ الْحَرُورِيِّ بِأَنَّهُمْ يَصُومُونَ النَّهَارَ وَيَقُومُونَ اللَّيْلَ وَيَأْخُذُونَ الصَّدَقَاتِ عَلَى السُّنَّةِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَمِثْلُهُ عِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عِنْدَهُ: يَتَعَبَّدُونَ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ وَصِيَامَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ، وَمِثْلُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ: وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَتْ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ شَيْئًا وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالطَّبَرِيُّ.
وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: ذَكَرَ لِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ فِيكُمْ قَوْمًا يَدْأَبُونَ وَيَعْمَلُونَ حَتَّى يُعْجِبُوا النَّاسَ وَتُعْجِبُهُمْ أَنْفُسُهُمْ، وَمِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ أَخِي أَنَسٍ عَنْ عَمِّهِ بِلَفْظِ: يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي قِصَّةِ مُنَاظَرَتِهِ لِلْخَوَارِجِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثِفَنُ الْإِبِلِ، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلَّمَةٌ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهُ الْخَوَارِجُ وَاجْتِهَادُهُمْ فِي الْعِبَادَةِ فَقَالَ: لَيْسُوا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الرُّهْبَانِ.
قَوْلُهُ: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ فَأُدْخِلَتْ فِيهَا الْهَاءُ وَإِنْ كَانَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ لِلْإِشَارَةِ لِنَقْلِهَا مِنَ الْوَصْفِيَّةِ إِلَى الِاسْمِيَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ شَرْطَ اسْتِوَاءِ الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُوفُ مَذْكُورًا مَعَهُ، وَقِيلَ: شَرْطُهُ سُقُوطُ الْهَاءِ مِنْ مُؤَنَّثٍ قَبْلَ وُقُوعِ الْوَصْفِ، تَقُولُ: خُذْ ذَبِيحَتَكَ أَيِ الشَّاةَ الَّتِي تُرِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute