حَدِيثِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَقُولُونَ الْحَقَّ لَا يُجَاوِزُ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ.
قَوْلُهُ: (لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَا يَجُوزُ وَالْحَنَاجِرُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ الْجِيمِ جَمْعُ حَنْجَرَةٍ بِوَزْنِ قَسْوَرَةٍ، وَهِيَ الْحُلْقُومُ وَالْبُلْعُومُ، وَكُلُّهُ يُطْلَقُ عَلَى مَجْرَى النَّفَسِ وَهُوَ طَرَفُ الْمَرِيءِ مِمَّا يَلِي الْفَمَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَلِيٍّ: لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ فَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْإِيمَانَ عَلَى الصَّلَاةِ، وَلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَلَاقِيمَهُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالنُّطْقِ لَا بِالْقَلْبِ، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يُجَاوِزُ هَذَا مِنْهُمْ، وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ. وَهَذِهِ الْمُجَاوَزَةُ غَيْرُ الْمُجَاوَزَةِ الْآتِيَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.
قَوْلُهُ: (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَالطَّبَرِيِّ: يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبَابِ، وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي الطَّبَرِيِّ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَلِيٍّ: يَمْرُقُونَ مِنَ الْحَقِّ، وَفِيهِ تَعَقَّبَ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الدِّينَ هُنَا بِالطَّاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيِ الشَّيْءِ الَّذِي يُرْمَى بِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الطَّرِيدَةِ مِنَ الْوَحْشِ إِذَا رَمَاهَا الرَّامِي، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ لَنَكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ: لَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ يَقْتُلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ ﷺ قَالَ عُبَيْدَةُ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ: أَنْتَ سَمِعْتَهُ؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلَاثًا. وَلَهُ فِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ فِي قِصَّةِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ: أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا قَتَلَهُمْ قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدَةُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: آللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ سَمِعْتُ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهُ إِلَّا هُوَ حَتَّى اسْتَحْلَفَهُ ثَلَاثًا، قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّمَا اسْتَحْلَفَهُ لِيُؤَكِّدَ الْأَمْرَ عِنْدَ السَّامِعِينَ وَلِتَظْهَرَ مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَّ عَلِيًّا وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْحَقِّ.
قُلْتُ: وَلِيَطْمَئِنَّ قَلْبُ الْمُسْتَحْلِفِ لِإِزَالَةِ تَوَهُّمِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ أَنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ فَخَشِيَ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَسْمَعْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مَنْصُوصًا، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُ عَائِشَةَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ فِي رِوَايَتِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا حَيْثُ قَالَتْ لَهُ: مَا قَالَ عَلِيٌّ حِينَئِذٍ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا إِنَّهُ كَانَ لَا يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ إِلَّا قَالَ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَيَذْهَبُ أَهْلُ الْعِرَاقِ فَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَيَزِيدُونَهُ، فَمِنْ هَذَا أَرَادَ عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو التَّثَبُّتَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِخُصُوصِهَا، وَأَنَّ فِيهَا نَقْلًا مَنْصُوصًا مَرْفُوعًا.
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قِتَالُهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَوَقَعَ سَبَبُ تَحْدِيثِ عَلِيٍّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ قَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَا يُجَاوِزُ هَذَا مِنْهُمْ - وَأَشَارَ بِحَلْقِهِ - مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ الْحَدِيثَ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، قَوْلُهُ: (عَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْأَنْصَارِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو سَلَمَةَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ. وَهَذَا السِّيَاقُ كَأَنَّهُ لَفْظُ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، وَأَمَّا لَفْظُ أَبِي سَلَمَةَ فَتَقَدَّمَ مُنْفَرِدًا فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ، وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، كَمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِسِيَاقٍ آخَرَ، فَلَعَلَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ هُنَا عَلَى سِيَاقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ الْمَقْرُونِ بِهِ، وَقَدْ قَرَنَ الزُّهْرِيُّ مَعَ أَبِي سَلَمَةَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute