للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فِي حَالِ الْمُحَارَبَةِ يَقُولُ ذَلِكَ، وَإِذَا وَقَعَ لَهُ أَمْرٌ يُوهِمُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا، فَخَشِيَ فِي هَذِهِ الْكَائِنَةِ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِصَّةَ ذِي الثُّدَيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ، فَأَوْضَحَ أَنَّ عِنْدَهُ فِي أَمْرِهِ نَصًّا صَرِيحًا، وَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَكْنِي وَلَا يُعَرِّضُ وَلَا يُوَرِّي، وَإِذَا لَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَخْدَعَ بِذَلِكَ مَنْ يُحَارِبُهُ، وَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَسْقُطَ.

قَوْلُهُ: (مِنَ السَّمَاءِ) زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا: إِلَى الْأَرْضِ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُمَا، وَسَقَطَتْ لِلْمُصَنِّفِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُمَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عِيسَى: أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفَنِي الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِيَ الرِّيحُ فِي مَكَانِ سَحِيقٍ.

قَوْلُهُ: (فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عِيسَى: عَنْ نَفْسِي، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَلِيٍّ: قَامَ فِينَا عَلِيٌّ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّهَرِ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُمُونِي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَحَدِّثُوا بِهِ، وَمَا سَمِعْتُمُونِي أُحَدِّثُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ الَّذِي حَدَّثَ فِيهِ عَلِيٌّ بِذَلِكَ وَالسَّبَبُ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عِيسَى: فَإِنَّمَا الْحَرْبُ خَدْعَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّ هَذَا أَعْنِي: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَتَقَدَّمَ ضَبْطُ خَدْعَةٍ هُنَاكَ وَمَعْنَاهَا.

قَوْلُهُ: (سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ: يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ، وَكَذَا أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَمْرِهِمْ، وَأَجَابَ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَمَانُ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ آخِرَ زَمَانِ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ الزَّمَانِ زَمَانُ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ الْمُخَرَّجِ فِي السُّنَنِ وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا، وَكَانَتْ قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَقَتْلُهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ بِدُونِ الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَحْدَاثٌ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ جَمْعُ حَدَثٍ بِفَتْحَتَيْنِ، وَالْحَدَثُ هُوَ الصَّغِيرُ السِّنِّ، هَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَوَقَعَ هُنَا لِلْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ: حُدَّاثٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، قَالَ فِي الْمَطَالِعِ: مَعْنَاهُ شَبَابٌ جَمْعُ حَدِيثِ السِّنِّ أَوْ جَمْعُ حَدَثٍ.

قَالَ ابْنُ التِّينِ: حِدَاثٌ جَمْعُ حَدِيثٍ مِثْلُ كِرَامٍ جَمْعُ كَرِيمٍ وَكِبَارٍ جَمْعُ كَبِيرٍ، وَالْحَدِيثُ الْجَدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَتَقَدَّمَ فِي التَّفْسِيرِ حِدَاثٌ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ لَكِنَّهُ هُنَاكَ جُمِعَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَالْمُرَادُ سُمَّارٌ يَتَحَدَّثُونَ؛ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ بِلَفْظِ: حُدَثَاءَ بِوَزْنِ سُفَهَاءَ، وَهُوَ جَمْعُ حَدِيثٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَالْأَسْنَانُ جَمْعُ سِنٍّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمْرُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ شَبَابٌ.

قَوْلُهُ: (سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ) جَمْعُ حِلْمٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ، وَالْمَعْنَى أَنَّ عُقُولَهُمْ رَدِيئَةٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّثَبُّتَ وَقُوَّةَ الْبَصِيرَةِ تَكُونُ عِنْدَ كَمَالِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ.

قُلْتُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْأَخْذِ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ لَا مِنْ خُصُوصِ كَوْنِ هَؤُلَاءِ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.

قَوْلُهُ: (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ) تَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفِي آخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَقْلُوبٌ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ وَهُوَ الْقُرْآنُ.

قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ الْقَوْلُ الْحَسَنُ فِي الظَّاهِرِ وَبَاطِنِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ فِي جَوَابِ عَلِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ طَارِقِ بْنِ زِيَادٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: يَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ كَلِمَةَ الْحَقِّ لَا تُجَاوِزُ حُلُوقَهُمْ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ: يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَفِي