لَا لِلدُّعَاءِ إِلَى مُعْتَقَدِهِ، وَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا: قِسْمٌ خَرَجُوا غَضَبًا لِلدِّينِ مِنْ أَجْلِ جَوْرِ الْوُلَاةِ وَتَرْكِ عَمَلِهِمْ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ حَقٍّ، وَمِنْهُمُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْحَرَّةِ وَالْقُرَّاءُ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى الْحَجَّاجِ، وَقِسْمٌ خَرَجُوا لِطَلَبِ الْمُلْكِ فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِمْ شُبْهَةٌ أَمْ لَا وَهُمُ الْبُغَاةُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِهِمْ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ إِلَخْ) وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ مِنْ تَهْذِيبِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ سَأَلَ نَافِعًا: كَيْفَ كَانَ رَأْيُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَرُورِيَّةِ؟ قَالَ: كَانَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ، انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتِ الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ.
قُلْتُ: وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فِي وَصْفِ الْخَوَارِجِ: هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْخَوَارِجَ فَقَالَ: هُمْ شِرَارُ أُمَّتِي يَقْتُلُهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ.
وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعًا: هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ يَقْتُلُهُمْ خَيْرُ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ: مِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللَّهِ إِلَيْهِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: شَرُّ قَتْلَى أَظَلَّتْهُمُ السَّمَاءُ وَأَقَلَّتْهُمُ الْأَرْضُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ نَحْوُهُ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ مَرْفُوعًا فِي ذِكْرِ الْخَوَارِجِ: شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، يَقُولُهَا ثَلَاثًا، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حديث علي:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا خَيْثَمَةُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْجُعْفِيُّ، لِأَبِيهِ وَلِجَدِّهِ صُحْبَةٌ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ بَجْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ بِهَذَا السَّنَدِ: حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحْدِيثِ فِيهِ إِلَّا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ؛ فَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَجَرِيرٍ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَفَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا، وَعِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، وَعِنْدَ الطَّبَرِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عِيسَى الرَّمْلِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ بِالْعَنْعَنَةِ، وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ عِيسَى بْنَ يُونُسَ زَادَ فِيهِ رَجُلًا، فَقَالَ عَنِ الْأَعْمَشِ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنْ خَيْثَمَةَ.
قُلْتُ: لَمْ أَرَ فِي رِوَايَةِ عِيسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ ذِكْرُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَهُوَ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ؛ لِأَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ هُوَ الْمِيزَانُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ.
قَوْلُهُ: (سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ مُخَضْرَمٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَلِيٌّ) هُوَ عَلَى حَذْفِ قَالَ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْخَطِّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْطَقَ بِهِ، وَقَدْ مَضَى فِي آخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ، وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَصِحَّ لِسُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعٌ إِلَّا هَذَا.
قُلْتُ: وَمَا لَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَلَا عِنْدَ أَحْمَدَ غَيْرُهُ، وَلَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ لَمْ يَقُلْ فِيهِ: عَنْ عَلِيٍّ.
قَوْلُهُ: (إِذَا حَدَّثْتُكُمْ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عِيسَى سَبَبٌ لِهَذَا الْكَلَامِ، فَأَوَّلُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ يَمُرُّ بِالنَّهَرِ وَبِالسَّاقِيَةِ فَيَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقُلْنَا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا تَزَالُ تَقُولُ هَذَا، قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ إِلَخْ، وَكَانَ عَلِيٌّ