للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَكَانَ حَاطِبٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ حَلِيفًا لِلزُّبَيْرِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا أَنَّ الْمَكَانَ عَلَى قَرِيبٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ، وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ هُشَيْمًا كَانَ يَقُولُهَا أَيْضًا حَاجٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ جِيمٍ وَهُوَ وَهْمٌ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ بِلَفْظِ: حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ كَذَا فَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ كَنَى عَنْهَا أَوْ شَيْخَهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هُشَيْمًا كَانَ يُصَحِّفُهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو عَوَانَةَ بِتَصْحِيفِهَا لَكِنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ عَنْ حُصَيْنٍ قَالُوهَا عَلَى الصَّوَابِ بِمُعْجَمَتَيْنِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَأْتُونِي بِهَا) فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ وَالظَّعِينَةُ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَزْنُ عَظِيمَةٍ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ مِنَ الظَّعْنِ وَهُوَ الرَّحِيلُ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ ظَعِينَةً لِأَنَّهَا تَرْكَبُ الظَّعِينَ الَّتِي تَظْعَنُ بِرَاكِبِهَا.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: سُمِّيَتْ ظَعِينَةً لِأَنَّهَا تَظْعَنُ مَعَ زَوْجِهَا وَلَا يُقَالُ لَهَا ظَعِينَةٌ إِلَّا إِذَا كَانَتْ فِي الْهَوْدَجِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ اسْمُ الْهَوْدَجِ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ لِرُكُوبِهَا فِيهِ، ثُمَّ تَوَسَّعُوا فَأَطْلَقُوهُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ فِي هَوْدَجٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِهَا، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ وَأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْعَرَجِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ، يَعْنِي قَرْيَةً بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا كَانَتْ مَوْلَاةَ أَبِي صَيْفِيِّ بْنِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَقِيلَ: عِمْرَانُ بَدَلَ عَمْرٍو، وَقِيلَ: مَوْلَاةُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَقِيلَ: كَانَتْ مِنْ مَوَالِي الْعَبَّاسِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ ابْنِ مَرْدَوَيْهِ أَنَّهَا مَوْلَاةٌ لِقُرَيْشٍ، وَفِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حِبَّانَ أَنَّ حَاطِبًا أَعْطَاهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَكَسَاهَا بُرْدًا، وَعِنْدَ الْوَاحِدِيِّ أَنَّهَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ : جِئْتِ مُسْلِمَةً؟ قَالَتْ: لَا وَلَكِنِ احْتَجْتُ، قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتِ عَنْ شَبَابِ قُرَيْشٍ؟ وَكَانَتْ مُغَنِّيَةً، قَالَتْ: مَا طُلِبَ مِنِّي بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَكَسَاهَا وَحَمَلَهَا فَأَتَاهَا حَاطِبٌ فَكَتَبَ مَعَهَا كِتَابًا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ.

وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ بِكِتَابٍ يَنْتَصِحُ لَهُمْ، وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى، وَالطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ عَلِيٍّ لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَغْزُوَ مَكَّةَ أَسَرَّ إِلَى نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَلِكَ وَأَفْشَى فِي النَّاسِ أَنَّهُ يُرِيدُ غَيْرَ مَكَّةَ، فَسَمِعَهُ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ فَكَتَبَ حَاطِبٌ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِذَلِكَ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْغَزْوِ وَلَا أُرَاهُ إِلَّا يُرِيدُكُمْ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ إِنْذَارِي لَكُمْ بِكِتَابِي إِلَيْكُمْ، وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ مَا نُقِلَ مِمَّا وَقَعَ فِي الْكِتَابِ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ.

قَوْلُهُ: (تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ: تَشْتَدُّ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ.

قَوْلُهُ: (فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا) أَيْ طَلَبْنَا كَأَنَّهُمَا فَتَّشَا مَا مَعَهَا ظَاهِرًا، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ: فَأَنَخْنَا بَعِيرَهَا فَابْتَغَيْنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ فَوَضَعْنَا مَتَاعَهَا وَفَتَّشْنَا فَلَمْ نَجِدْ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ عَلِمْنَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَقَدْ عَلِمْتُمَا وَهِيَ رِوَايَةُ عَفَّانَ أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ) أَيْ قَالَ وَاللَّهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ.

قَوْلُهُ: (لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ) أَيْ أَنْزِعُ ثِيَابَكِ حَتَّى تَصِيرِي عُرْيَانَةً، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ: أَوْ لَأَقْتُلَنَّكِ، وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ، وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي فُضَيْلٍ لَأَجْزِرَنَّكِ بِجِيمٍ ثُمَّ زَايٍ أَيْ أُصَيِّرُكِ مِثْلَ الْجَزُورِ إِذَا ذُبِحَتْ. ثُمَّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ النَّظَرَ فِي شُعُورِ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَعْنِي التَّرْجَمَةَ الْمَاضِيَةَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ، وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُهُ أَيْ رِوَايَةُ أَوْ لَأَقْتُلَنَّكِ.

قُلْتُ: رِوَايَةُ لَأُجَرِّدَنَّكِ أَشْهَرُ، وَرِوَايَةُ لَأَجْزِرَنَّكِ كَأَنَّهَا مُفَسَّرَةٌ مِنْهَا، وَرِوَايَةُ لَأَقْتُلَنَّكِ كَأَنَّهَا بِالْمَعْنَى مِنْ لَأُجَرِّدَنَّكِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تُنَافِي التَّرْجَمَةَ لِأَنَّهَا إِذَا قُتِلَتْ سُلِبَتْ ثِيَابُهَا فِي الْعَادَةِ فَيُسْتَلْزَمُ التَّجَرُّدُ الَّذِي تَرْجَمَ بِهِ. وَيُؤَيِّدُ الرِّوَايَةَ الْمَشْهُورَةَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ