للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ بِلَفْظِ: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ.

قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَذَا وَقَعَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ: وَالْيَاءُ زَائِدَةٌ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ بِكَسْرِ الْيَاءِ وَبِفَتْحِهَا كَذَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَالْقَوَاعِدُ التَّصْرِيفِيَّةُ تَقْتَضِي حَذْفَهَا. لَكِنْ إِذَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَتُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ لِتُخْرِجِنَّ، وَهَذَا تَوْجِيهُ الْكَسْرَةِ وَأَمَّا الْفَتْحَةُ فَتُحْمَلُ عَلَى خِطَابِ الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، قَالَ: وَيَجُوزُ فَتْحُ الْقَافِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَعَلَى هَذَا فَتُرْفَعُ الثِّيَابُ.

قُلْتُ: وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ صَوَابَ الرِّوَايَةِ لَنُلْقِيَنَّ بِالنُّونِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جِدًّا لَا إِشْكَالَ فِيهِ الْبَتَّةَ وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَكَلُّفِ تَخْرِيجٍ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ: فَقَالَتْ لَيْسَ مَعِي كِتَابٌ فَقَالَ كَذَبْتِ فَقَالَ: قَدْ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنَّ مَعَكِ كِتَابًا وَاللَّهِ لَتُعْطِيَنِّي الْكِتَابَ الَّذِي مَعَكِ أَوْ لَا أَتْرُكُ عَلَيْكَ ثَوْبًا إِلَّا الْتَمَسْنَا فِيهِ، قَالَتْ أَوَ لَسْتُمْ بِنَاسٍ مِنْ مُسْلِمِينَ! حَتَّى إِذَا ظَنَّتْ أَنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَعَهَا حَلَّتْ عِقَاصَهَا، وَفِيهِ فَرَجَعَا إِلَيْهَا فَسَلَّا سَيْفَيْهِمَا فَقَالَا: وَاللَّهِ لَنُذِيقَنَّكِ الْمَوْتَ أَوْ لَتَدْفَعِنَّ إِلَيْنَا الْكِتَابَ، فَأَنْكَرَتْ.

وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا هَدَّدَاهَا بِالْقَتْلِ أَوَّلًا فَلَمَّا أَصَرَّتْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا إِذْنٌ بِقَتْلِهَا هَدَّدَاهَا بِتَجْرِيدِ ثِيَابِهَا فَلَمَّا تَحَقَّقَتْ ذَلِكَ خَشِيَتْ أَنْ يَقْتُلَاهَا حَقِيقَةً، وَزَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَيْضًا فَقَالَتْ: أَدْفَعُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنْ تَرُدَّانِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ .

وَفِي رِوَايَةِ أَعْشَى ثَقِيفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ: فَلَمْ يَزَلْ عَلِيٌّ بِهَا حَتَّى خَافَتْهُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ هَلْ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ عَلَى دِينِ قَوْمِهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى الثَّانِي فَقَدْ عُدَّتْ فِيمَنْ أَهْدَرَ النَّبِيُّ دَمَهُمْ يَوْمَ الْفَتْحِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُغَنِّي بِهِجَائِهِ وَهِجَاءِ أَصْحَابِهِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ أَنَسٍ: أَمَرَ النَّبِيُّ يَوْمَ الْفَتْحِ بِقَتْلِ أَرْبَعَةٍ فَذَكَرَهَا فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا أَمْرُ سَارَّةَ فَذَكَرَ قِصَّتَهَا مَعَ حَاطِبٍ.

قَوْلُهُ: (فَأَتَوْا بِهَا) أَيِ الصَّحِيفَةِ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: فَأَتَيْنَا بِهِ أَيِ الْكِتَابِ، وَنَحْوُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَادَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ سَمَّاهُمُ الْوَاقِدِيُّ فِي رِوَايَتِهِ: سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الْعَامِرِيَّ، وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ الْمَخْزُومِيَّ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ الْجُمَحِيَّ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ حَاطِبًا فَقَالَ: أَنْتَ كَتَبْتَ هَذَا الْكِتَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ، وَكَأَنَّ حَاطِبًا لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا لَمَّا جَاءَ الْكِتَابُ فَاسْتُدْعِيَ بِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَفْظُهُ: فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِبٍ فَذَكَرَ نَحْوَ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: مَا بِي بِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ اللَّامِ وَهُوَ أَوْضَحُ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: أَمَا وَاللَّهِ مَا ارْتَبْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ فِي اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَ وَاللَّهِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ) أَيْ مِنَّةٌ أَدْفَعُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، زَادَ فِي رِوَايَةِ أَعْشَى ثَقِيفٍ: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَتَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْمُمْتَحَنَةِ قَوْلُهُ: كُنْتُ مُلْصَقًا، وَتَفْسِيرُهُ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ: وَلَكِنِّي كُنْتُ امْرَأً غَرِيبًا فِيكُمْ وَكَانَ لِي بَنُونَ وَإِخْوَةٌ بِمَكَّةَ فَكَتَبْتُ لَعَلِّي أَدْفَعُ عَنْهُمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ مِنْ أَصْحَابِكَ أَحَدٌ إِلَّا لَهُ هُنَالِكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي هُنَاكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهَ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ إِلَّا لَهُ بِمَكَّةَ مَنْ يَحْفَظُهُ فِي عِيَالِهِ غَيْرِي.

قَوْلُهُ: (قَالَ: صَدَقَ، وَلَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا) وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَ صِدْقَهُ مِمَّا ذُكِرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِوَحْيٍ.

قَوْلُهُ: (فَعَادَ عُمَرُ) أَيْ عَادَ إِلَى الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فِي حَاطِبٍ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ؛ فَأَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى