للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عُوِّضُوا بِالْمَرْأَى الصَّادِقَةِ لِيُجَدَّدَ لَهُمْ مَا قَدْ دَرَسَ مِنَ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا يَقِلُّ عَدَدُهُمْ وَيَغْلِبُ الْكُفْرُ وَالْجَهْلُ وَالْفِسْقُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ يُؤْنَسُ الْمُؤْمِنُ وَيُعَانُ بِالرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ إِكْرَامًا لَهُ وَتَسْلِيَةً وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ بَلْ كُلَّمَا قَرُبَ فَرَاغُ الدُّنْيَا وَأَخَذَ أَمْرُ الدِّينِ فِي الِاضْمِحْلَالِ تَكُونُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ أَصْدَقَ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِزَمَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأَوَّلُهَا أَوْلَاهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: (وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ) الْحَدِيثَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ وَهُوَ إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ الْحَدِيثَ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى قَرِيبًا، وَقَوْلُهُ: وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَكْذِبُ هَذَا الْقَدْرُ لَمْ يَتَقَدَّمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طرقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَظَاهِرُ إِيرَادِهِ هُنَا أَنَّهُ مَرْفُوعٌ، وَلَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْمُرَادُ مِنَ النُّبُوَّةِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صِفَةُ الصِّدْقِ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ الْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ: هَذِهِ لِلْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي إِعَادَةِ قَوْلِهِ: قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: هَذَا ثُمَّ رَأَيْتُ فِي بُغْيَةِ النُّقَّادِ لِابْنِ الْمَوَّاقِ أَنَّ عَبْدَ الْحَقِّ أَغْفَلَ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي إِدْرَاجِهَا، فَعَلَى هَذَا فَهِيَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ وَلَيْسَتْ مَرْفُوعَةً.

قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي جَمِيعِ الطُّرُقِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجَيْهِمَا، وَوَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ بَطَّالٍ وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَكَانَ يُقَالُ إِلَخْ.

قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلَا ذَكَرَهَا عَبْدُ الْحَقِّ فِي جَمْعِهِ وَلَا الْحُمَيْدِيُّ وَلَا مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَوْفٍ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ وَالْمَسَانِيدِ، وَقَدْ تَقَلَّدَهُ عِيَاضٌ فَذَكَرَهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ بَطَّالٍ وَتَبِعَهُ فِي شَرْحِهِ فَقَالَ: خَشِيَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَحَدَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا أَنَّهُ إِذَا تَقَارَبَ الزَّمَانُ لَمْ يَصْدُقْ إِلَّا رُؤْيَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَقَالَ: وَأَنَا أَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ يَعْنِي رُؤْيَا هَذِهِ الْأُمَّةِ صَادِقَةٌ كُلُّهَا صَالِحِهَا وَفَاجِرِهَا لِيَكُونَ صِدْقُ رُؤْيَاهُمْ زَاجِرًا لَهُمْ وَحُجَّةً عَلَيْهِمْ لِدُرُوسِ أَعْلَامِ الدِّينِ وَطُمُوسِ آثَارِهِ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ وَظُهُورِ الْمُنْكَرِ انْتَهَى.

وَهَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ لَفْظَةُ الْأُمَّةِ وَلَمْ أَجِدْهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ الْإِسْفِرَايِنِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: هَذَا لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ.

قُلْتُ: وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِهِ بِقَوْلِهِ: وَحَدِيثُ عَوْفٍ أَبْيَنُ أَيْ حَيْثُ فَصَلَ الْمَرْفُوعَ مِنَ الْمَوْقُوفِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَكَانَ يُقَالُ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ إِلَخْ) قَائِلُ قَالَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَأَبْهَمَ الْقَائِلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَفَعَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ وَوَقَفَهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ هَوْذَةَ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَوْفٍ بِسَنَدِهِ مَرْفُوعًا الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ الْحَدِيثَ مِثْلَهُ.

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَرُؤْيَا حَقٌّ، وَرُؤْيَا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مَرْفُوعًا أَيْضًا بِلَفْظِ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ، فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ وَالْبَاقِي نَحْوُهُ.

قَوْلُهُ: (حَدِيثُ النَّفْسِ وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ) وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ رَفَعَهُ الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ابْنَ آدَمَ، وَمِنْهَا مَا يُهِمُّ بِهِ الرَّجُلُ فِي يَقَظَتِهِ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ، وَمِنْهَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ.

قُلْتُ: وَلَيْسَ الْحَصْرُ مُرَادًا مِنْ قَوْلِهِ: ثَلَاثٌ لِثُبُوتِ نَوْعٍ رَابِعٍ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِيَيْنِ سِوَى ذِكْرِ وَصْفِ الرُّؤْيَا بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَمَحْبُوبَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَسَيِّئَةٌ، وَبَقِيَ نَوْعٌ خَامِسٌ وَهُوَ تَلَاعُبُ الشَّيْطَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ