قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ لَوْنِ الرَّبِيعِ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَيْ الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَوِيلٌ لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ. فَانْطَلَقْنَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ عَظِيمَةٍ لَمْ أَرَ رَوْضَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا وَلَا أَحْسَنَ. قَالَ: قَالَا لِي: ارْقَ، فارتقيت فِيهَا.
قَالَ: فَارْتَقَيْنَا فِيهَا، فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبِنِ ذَهَبٍ وَلَبِنِ فِضَّةٍ، فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا، فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا، فَتَلَقَّانَا فِيهَا رِجَالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ. قَالَ: قَالَ لَهُمْ: اذْهَبُوا، فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهَرِ. قَالَ: وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ من الْبَيَاضِ، فَذَهَبُوا، فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ، فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. قَالَ: قَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: فَسَمَا بَصَرِي صُعُدًا، فَإِذَا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ الْبَيْضَاءِ. قَالَ: قَالَا لِي: هَذَاكَ مَنْزِلُكَ. قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمَا، ذَرَانِي فَأَدْخُلَهُ. قَالَا: أَمَّا الْآنَ فَلَا، وَأَنْتَ دَاخِلَهُ.
قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالَا لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ: أَمَّا الرَّجُلُ الْأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ، وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فهم الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي، وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا فَإِنَّهُ مَالِكٌ خَازِنُ جَهَنَّمَ، وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ ﷺ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ. قَالَ: فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ. وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرًا مِنْهُمْ حَسَن وَشَطْرًا قَبِيح فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى ضَعْفِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ عُمَلَائِهِمْ قَالَ: لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا تُخْبِرْ بِهَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ التَّعْبِيرِ: إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَكُونَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الرَّابِعَةِ وَمِنَ الْعَصْرِ إِلَى قَبْلِ الْمَغْرِبِ، فَإِنَّ الْحَدِيثَ دَالٌّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْبِيرِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ بِكَرَاهَةِ تَعْبِيرِهَا فِي أَوْقَاتِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ.
قَالَ الْمُهَلَّبُ: تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَوْقَاتِ لِحِفْظِ صَاحِبِهَا لَهَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِهَا وَقَبْلَ مَا يَعْرِضُ لَهُ نِسْيَانُهَا، وَلِحُضُورِ ذِهْنِ الْعَابِرِ وَقِلَّةِ شُغْلِهِ بِالْفِكْرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَعَاشِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute