الْمَذْكُورِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ بِطُولِهِ: لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا قُرَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ) فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ: قَالَ: فَلَمَّا كَانَ وَفَاعِلُ قَالَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، وَحُرِّقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَوَقَعَ فِي خَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ: الصَّوَابُ أُحْرِقَ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ، وَلَيْسَ الْآخَرُ بِخَطَأٍ بَلْ جَزَمَ أَهْلُ اللُّغَةِ بِاللُّغَتَيْنِ: أَحْرَقَهُ وَحَرَّقَهُ، وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّكْثِيرِ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا: يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَمَنْ مَعَهُ. وَابْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعَسْكَرِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَأَبُوهُ عَمْرٌو هُوَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَعَلَى هَذَا فَلِعَبْدِ اللَّهِ رُؤْيَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ؛ فَفِي الِاسْتِيعَابِ: قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعِنْدَ الْمَدَائِنِيِّ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ وَهُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْمَذْكُورُ، وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ عَمُّهُ، وَاسْمُ الْحَضْرَمِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عماد وَكَانَ حَالَفَ بَنِي أُمَيَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأُمُّ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ الْمَذْكُورِ أَرْنَبُ بِنْتُ كَرِيزِ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ عَمَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ الَّذِي كَانَ أَمِيرَ الْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ.
قَوْلُهُ: (حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ) بِجِيمٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ (ابْنُ قُدَامَةَ)؛ أَيِ: ابْنُ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ، وَكَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي الصَّحَابَةِ كَانَ جَارِيَةُ يُلَقَّبُ مُحَرِّقًا لِأَنَّهُ أَحْرَقَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ بِالْبَصْرَةِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ وَجَّهَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ، فَوَجَّهَ عَلَى جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ فَحَصَرَهُ، فَتَحَصَّنَ مِنْهُ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي دَارٍ فَأَحْرَقَهَا جَارِيَةُ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَكَانَ عَامِلَهَا لِعَلِيٍّ وَاسْتَخْلَفَ زِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ عَلَى الْبَصْرَةِ، فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ لِيَأْخُذَ لَهُ الْبَصْرَةَ، فَنَزَلَ فِي بَنِي تَمِيمٍ، وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْعُثْمَانِيَّةُ، فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ يَسْتَنْجِدُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيَّ فَقُتِلَ غِيلَةً، فَبَعَثَ عَلِيٌّ بَعْدَهُ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ فَحَصَرَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِي الدَّارِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَقَ الدَّارَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا أَوْ أَرْبَعِينَ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا، فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَأَمَّا مَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ رَجُلٌ امْتَنَعَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ فَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَلْقَى النَّارَ فِي الْجِذْعِ الَّذِي صُلِبَ عَلَيْهِ، فَمَا أَدْرِي مَا مُسْتَنَدُهُ فِيهِ، وَكَأَنَّهُ قَالَهُ بِالظَّنِّ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ، وَكَانَ الْأَحْنَفُ يَدْعُو جَارِيَةَ عَمًّا إِعْظَامًا لَهُ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَمَاتَ جَارِيَةُ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ الَّذِي رَوَى قِصَّةَ قَتْلِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ)؛ أَيِ: اطَّلِعُوا مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَرَأَوْهُ، زَادَ الْبَزَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ الْقَطَّانِ: وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ) قَالَ الْمُهَلَّبُ: لَمَّا فَعَلَ جَارِيَةُ، بِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ مَا فَعَلَ أَمَرَ جَارِيَةُ بَعْضَهُمْ أَنْ يُشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ لِيَخْتَبِرَ إِنْ كَانَ مُحَارِبًا أَوْ فِي الطَّاعَةِ، وَكَانَ قَدْ قَالَ لَهُ خَيْثَمَةُ: هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ وَمَا صَنَعْتَ بِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَرُبَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْكَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِكَلَامٍ. فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرَةَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ قَالَ: لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ دَارِي مَا رَفَعْتُ عَلَيْهِمْ قَصَبَةً؛ لِأَنِّي لَا أَرَى قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ أَنْ أُقَاتِلَهُمْ بِسِلَاحٍ. قُلْتُ: وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ كَالْمَدَائِنِيِّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ اسْتَنْفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بِأَمْرِ عَلِيٍّ لِيُعَاوِدُوا مُحَارَبَةَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَمْرِ التَّحْكِيمِ، ثُمَّ وَقَعَ أَمْرُ الْخَوَارِجِ فَسَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ فَشَهِدَ مَعَهُ النَّهْرَوَانَ، فَأَرْسَلَ بَعْضٌ عَبْدَ الْقَيْسِ فِي غَيْبَتِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ بِالْبَصْرَةِ جَمَاعَةً مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute