وَقَبْلَ قَوْلِهِ: قَبْلَ، وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ صَحِيحٌ.
قَوْلُهُ: (نَزَلَ الْمَدِينَةَ) فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي، وَالسَّرَخْسِيِّ: فَنَزَلَ؛ بِزِيَادَةِ فَاءٍ، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سَلَمَةَ لَمْ يَمُتْ بِالْبَادِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنْدَهْ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا تَقْتَضِيهِ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ هَذِهِ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَرَّخَ وَفَاةَ سَلَمَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَكُنِ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا وَلَا ذَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ. وَكَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ، وَهُوَ أَشَدُّ غَلَطًا مِنَ الْأَوَّلِ إِنْ أَرَادَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ، وَإِنْ أَرَادَ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَهُوَ عَيْنُ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ مَشَى الْكِرْمَانِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ: مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ، وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، كَذَا جَزَمَ بِهِ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ، وَقَدِ اعْتَرَضَ الذَّهَبِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَاتَلَ يَوْمَئِذٍ وَبَايَعَ.
قُلْتُ: وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مُتَّجِهٌ، لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى سَنَةِ وَفَاتِهِ لَا إِلَى مَبْلَغِ عُمْرِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ رُجْحَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْهَا لِقَوْلِهِ: لَمْ يَبْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَنَسٌ، وَسَلَمَةُ، وَذَلِكَ لَائِقٌ بِسَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ، فَقَدْ عَاشَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ: مَاتَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ. ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ الْحَدِيثَ، وَفِي آخِرِهِ: يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ شَرْحِهِ فِي بَابِ الْعُزْلَةِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ، وَأَشَارَ إِلَى حَمْلِ صَنِيعِ سَلَمَةَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَقَعَتِ الْفِتَنُ اعْتَزَلَ عَنْهَا وَسَكَنَ الرَّبَذَةَ وَتَأَهَّلَ بِهَا وَلَمْ يُلَابِسْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْحُرُوبِ، وَالْحَقُّ حَمْلُ عَمَلِ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى السَّدَادِ فَمَنْ لَابَسَ الْقِتَالَ اتَّضَحَ لَهُ الدَّلِيلُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَكَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ قَعَدَ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ أَيُّ الْفِئَتَيْنِ هِيَ الْبَاغِيَةُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِتَالِ. وَقَدْ وَقَعَ لِخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَاتِلُ، فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ قَاتَلَ حِينَئِذٍ وَحَدَّثَ بِحَدِيثِ: يَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: يُوشِكُ هُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ؛ أَيْ: يُسْرِعُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ، وَيَجُوزُ يُوشَكُ بِفَتْحِ الشِّينِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ.
وَقَوْلُهُ: أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ فِي خَيْرَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَإِنْ كَانَ غَنَمٌ بِالرَّفْعِ فَالنَّصْبُ، وَإِلَّا فَالرَّفْعُ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَالْأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ غَنَمٌ بِالرَّفْعِ، وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ رَفْعَ خَيْرَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُقَدَّرَ فِي يَكُونَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَغَنَمٌ وَخَيْرٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ. وَقَوْلُهُ: شَعَفُ الْجِبَالِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ؛ جَمْعُ شَعَفَةٍ، كَأَكَمِ وَأَكَمَةٍ رُءُوسُ الْجِبَالِ وَالْمَرْعَى فِيهَا وَالْمَاءُ، وَلَا سِيَّمَا وَفِي بِلَادِ الْحِجَازِ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهَا، وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْفَاءِ؛ جَمْعُ شُعْبَةٍ وَهِيَ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الشِّينَ مُعْجَمَةٌ. وَوَقَعَ لِغَيْرِ مَالِكٍ كَالْأَوَّلِ، لَكِنَّ السِّينَ مُهْمَلَةٌ، وَسَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَفْظُهُ: وَرَجُلٌ فِي رَأْسِ شُعْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ.
قَوْلُهُ: (يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يَتْبِعُ أَوِ الْمُسْلِمُ إِذَا جَوَّزْنَا الْحَالَ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ وَهُوَ شِدَّةُ الْمُلَابَسَةِ وَكَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَاتِّحَادُ الْخَيْرِ بِالْمَالِ وَاضِحٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافِيَّةً وَهُوَ وَاضِحٌ، انْتَهَى. وَالْخَبَرُ دَالٌّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعُزْلَةِ لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute