وَقَوْلُهُ: يُنَكَّرُ لَوْنُهَا؛ أَيْ يُبَدَّلُ حُسْنُهَا بِقُبْحٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ: شَمْطَاءَ جُزَّتْ رَأْسُهَا بَدَلَ قَوْلِهِ: يُنَكَّرُ لَوْنُهَا وَكَذَلِكَ أَنْشَدَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ. وَقَوْلُهُ: مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ يَصِفُ فَاهَا بِالْبَخْرِ مُبَالَغَةً فِي التَّنْفِيرِ مِنْهَا. وَالْمُرَادُ بِالتَّمَثُّلِ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ اسْتِحْضَارُ مَا شَاهَدُوهُ وَسَمِعُوهُ مِنْ حَالِ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ بِإِنْشَادِهَا ذَلِكَ فَيَصُدُّهُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِيهَا حَتَّى لَا يَغْتَرُّوا بِظَاهِرِ أَمْرِهَا أَوَّلًا. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةً أَحَادِيثَ؛ أَحَدُهَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا شَقِيقٌ) هُوَ أَبُو وَائِلِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ يَقُولُ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ عُمَرَ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ. وَخَالَفَ أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ أَصْحَابَ الْأَعْمَشِ فَقَالَ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ وَقَوْلُهُ هُنَا: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: لَمْ أَسْأَلْ عَنْ فِتْنَةِ الْخَاصَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: عَلَيْكُمْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ: فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: يَأْتِيكُمْ بَعْدِي فِتَنٌ كَمَوْجِ الْبَحْرِ يَدْفَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُؤْخَذُ مِنْهُ جِهَةُ التَّشْبِيهِ بِالْمَوْجِ وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ فَقَطْ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ: فَرَفَعَ عُمَرُ يَدَهُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكْنِي، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: لَا تَخَفْ. وَقَوْلُهُ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا؟ قُلْتُ: أَجَلْ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ: قَالَ حُذَيْفَةُ: كَسْرًا، ثَمَّ لَا يُغْلَقُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: (كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً)؛ أَيْ عِلْمُهُ عِلْمًا ضَرُورِيًّا مِثْلَ هَذَا، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا عَدَلَ حُذَيْفَةُ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنِ الْإِخْبَارِ بِالْفِتْنَةِ الْكُبْرَى إِلَى الْإِخْبَارِ بِالْفِتْنَةِ الْخَاصَّةِ لِئَلَّا يُغَمَّ وَيَشْتَغِلَ بَالُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ لَهُ: إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا وَلَمْ يَقُلْ لَهُ: أَنْتَ الْبَابُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَابُ فَعَرَّضَ لَهُ بِمَا فَهِمَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ، وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِ أَدَبِهِ. وَقَوْلُ عُمَرَ: إِذَا كُسِرَ لَمْ يُغْلَقْ أَخَذَهُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْكَسْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا غَلَبَةً، وَالْغَلَبَةُ لَا تَقَعُ إِلَّا فِي الْفِتْنَةِ، وَعُلِمَ مِنَ الْخَبَرِ النَّبَوِيِّ أَنَّ بَأْسَ الْأُمَّةِ بَيْنَهُمْ وَاقِعٌ، وَأَنَّ الْهَرْجَ لَا يَزَالُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ رَفَعَهُ: إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عَلِيٍّ فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: هَذَا الْيَهُودِيُّ - لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ - يَقُولُ: إِنَّكَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ! فَقَالَ عُمَرُ: مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ خَرَجَ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبٍ فَجَاءَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَنْسَلِخُ ذُو الْحِجَّةِ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: مَا هَذَا، مَرَّةً فِي الْجَنَّةِ وَمَرَّةً فِي النَّارِ! فَقَالَ: إِنَّا لِنَجِدُكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ تَمْنَعُ النَّاسَ أَنْ يَقْتَحِمُوا فِيهَا، فَإِذَا مِتَّ اقْتَحَمُوا.
قَوْلُهُ: (فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا) احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْأَمْرَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعُلُوُّ وَلَا الِاسْتِعْلَاءُ.
فَدَخَلَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ مَجْلِسًا، فَتَحَوَّلَ حَتَّى جَاءَ مُقَابِلَهُمْ عَلَى شَفَةِ الْبِئْرِ، فَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ ثُمَّ دَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، فَجَعَلْتُ أَتَمَنَّى أَخًا لِي وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَأْتِيَ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَتَأَوَّلْتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمْ؛ اجْتَمَعَتْ هَاهُنَا وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي قَوْلُهُ: (عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ أَبِي نِمْرٍ. وَلَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ الْقَاضِيِّ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: (خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى حَائِطٍ مِنْ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ لِحَاجَتِهِ) تَقَدَّمَ اسْمُ الْحَائِطِ الْمَذْكُورِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُهُ هُنَا: لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَأْمُرْنِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: أَمَرَنِي بِحِفْظِ الْبَابِ وَهُوَ اخْتِلَافٌ لَيْسَ الْمَحْفُوظُ إِلَّا أَحَدَهُمَا، وَتُعُقِّبَ بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ أَوَّلًا لِأَبِي بَكْرٍ وَأَمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَأْذَنْ لَهُ وَيُبَشِّرَهُ بِالْجَنَّةِ وَافَقَ ذَلِكَ اخْتِيَارَ النَّبِيِّ ﷺ لِحِفْظِ الْبَابِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي حَالِ خَلْوَةٍ وَقَدْ كَشَفَ عَنْ سَاقِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فَأَمَرَهُ بِحِفْظِ الْبَابِ، فَصَادَفَ أَمْرَهُ مَا كَانَ أَبُو مُوسَى أَلْزَمَ نَفْسَهُ بِهِ قَبْلَ الْأَمْرِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْأَمْرَ عَلَى التَّقْرِيرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute