للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَامْتَنَعَ مِنَ الْقِتَالِ مَعَهُمْ، ثُمَّ اسْتَصْوَبَ رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ التَّرْكِ لَمَّا رَأَى غَلَبَةَ عَلِيٍّ. وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ بِلَفْظِ: عَصَمَنِي اللَّهُ بِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَائِشَةَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فَعَصَمَنِ اللَّهُ.

وَأَخْرَجَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَائِشَةَ أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرَةَ فَقَالَ: إِنَّكِ لَأُمٌّ، وَإِنَّ حَقَّكِ لَعَظِيمٌ، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ أَنَّ فَارِسًا) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: كَذَا وَقَعَ مَصْرُوفًا وَالصَّوَابُ عَدَمُ صَرْفِهِ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْفُرْسِ وَعَلَى بِلَادِهِمْ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُصْرَفُ إِلَّا أَنْ يُرَادَ الْقَبِيلَةُ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ الْأَمْرَانِ كَسَائِرِ الْبِلَادِ، انْتَهَى. وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ صَرْفَ الْأَسْمَاءِ كُلِّهَا.

قَوْلُهُ: (مَلَّكُوا ابْنَةَ كِسْرَى) فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ: لَمَّا هَلَكَ كِسْرَى قَالَ النَّبِيُّ : مَنِ اسْتَخْلَفُوا؟ قَالُوا: ابْنَتَهُ.

قَوْلُهُ: (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ. وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ: وَلِيَ أَمْرَهُمُ امْرَأَةٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا الْفَاعِلُ، وَكِسْرَى الْمَذْكُورُ هُوَ شِيرَوَيْهِ بْنُ أَبْرَوَيْزَ بْنِ هُرْمُزَ، وَاسْمُ ابْنَتِهِ الْمَذْكُورَةِ بُورَانُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ الْمَغَازِي فِي بَابِ كِتَابِ النَّبِيِّ إِلَى كِسْرَى شَرْحُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، عَنْ عَوْفٍ فِي آخِرِهِ: قَالَ أَبُو بَكْرَةَ: فَعَرَفْتُ أَنَّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ لَنْ يُفْلِحُوا.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ يُوهِمُ تَوْهِينَ رَأْيِ عَائِشَةَ فِيمَا فَعَلَتْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ فِي طَلَبِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُمُ الْقِتَالَ، لَكِنْ لَمَّا انْتَشَبَتِ الْحَرْبُ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ مَعَهَا بُدٌّ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ، وَلَمْ يَرْجِعْ أَبُو بَكْرَةَ عَنْ رَأْيِ عَائِشَةَ وَإِنَّمَا تَفَرَّسَ بِأَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ لَمَّا رَأَى الَّذِينَ مَعَ عَائِشَةَ تَحْتَ أَمْرِهَا لِمَا سَمِعَ فِي أَمْرِ فَارِسٍ، قَالَ: وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَنْقُلْ أَنَّ عَائِشَةَ وَمَنْ مَعَهَا نَازَعُوا عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ وَلَا دَعَوْا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِيُوَلُّوهُ الْخِلَافَةَ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْ هِيَ وَمَنْ مَعَهَا عَلَى عَلِيٍّ مَنْعَهُ مِنْ قَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ وَتَرْكِ الِاقْتِصَاصِ مِنْهُمْ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَنْتَظِرُ مِنْ أَوْلِيَاءِ عُثْمَانَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ، فَإِذَا ثَبَتَ عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ مِمَّنْ قَتَلَ عُثْمَانَ اقْتَصَّ مِنْهُ، فَاخْتَلَفُوا بِحَسَبِ ذَلِكَ، وَخَشِيَ مَنْ نُسِبَ إِلَيْهِمُ الْقَتْلُ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى قَتْلِهِمْ فَأَنْشَبُوا الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ كَانَ مَا كَانَ. فَلَمَّا انْتَصَرَ عَلِيٌّ عَلَيْهِمْ حَمِدَ أَبُو بَكْرَةَ رَأْيَهُ فِي تَرْكِ الْقِتَالِ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ عَائِشَةَ فِي الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَفِي بَعْضِهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ وَمِمَّا سَأَذْكُرُهُ.

وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْأَحْنَفِ أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ لِيَنْصُرَ عَلِيًّا فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرَةَ فَنَهَاهُ عَنِ الْقِتَالِ، وَتَقَدَّمَ قَبْلَهُ بِبَابٍ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرَةَ لَمَّا حَرَّقَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى الْقِتَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَصْلًا فَلَيْسَ هُوَ عَلَى رَأْيِ عَائِشَةَ وَلَا عَلَى رَأْيِ عَلِيٍّ فِي جَوَازِ الْقِتَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَصْلًا، وَإِنَّمَا كَانَ رَأْيُهُ الْكَفُّ وِفَاقًا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا لَمْ يَشْهَدْ صِفِّينَ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَلَا عَلِيٍّ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ مَنْ قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَلَّى الْمَرْأَةُ الْقَضَاءَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَخَالَفَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ تَقْضِيَ فِيمَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِيهِ، وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَازَ، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ أَيْضًا: كَلَامُ أَبِي بَكْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْلَا عَائِشَةُ لَكَانَ مَعَ طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ لِأَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُمَا لَكَانَ مَعَ عَلِيٍّ. كَذَا قَالَ، وَأَغْفَلَ قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْكَفَّ عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ تَرَكَ الْقِتَالَ مَعَ أَهْلِ بَلَدِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنْ لَا يَكُونَ مَانَعَهُ مِنَ الْقِتَالِ سَبَبٌ آخَرُ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَهْيِهِ الْأَحْنَفَ عَنِ الْقِتَالِ وَاحْتِجَاجِهِ بِحَدِيثِ: إِذَا