مَا خَلَّفَ صَاحِبَكَ؟ فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ لَوْ كُنْتَ فِي شِدْقِ الْأَسَدِ لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَرَهُ. فَلَمْ يُعْطِنِي شَيْئًا، فَذَهَبْتُ إِلَى حَسَنٍ، وَحُسَيْنٍ، وَابْنِ جَعْفَرٍ فَأَوْقَرُوا لِي رَاحِلَتِي.
قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ ابْنِي هَذَا لَسَيِّدٌ) فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ، وَالْكُشْمِيهَنِيِّ سَيِّدٌ بِغَيْرِ لَامٍ، وَكَذَا لَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ، وَبِحَذْفِ إِنَّ، وَسَاقَ الْمَتْنَ هُنَاكَ بِلَفْظِ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَسَاقَهُ هُنَا بِحَذْفِهَا فَأَشَارَ فِي كُلٍّ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ إِلَى مَا وَقَعَ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ هُنَاكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بِتَمَامِهِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ وَسَاقَهُ هُنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ، وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمَتْنِ لَسَيِّدٌ بِاللَّامِ كَمَا وَقَعَ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سَبْعَةِ أَنْفُسٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَبَيَّنَ اخْتِلَافَ أَلْفَاظِهِمْ، وَذَكَرَ فِي الْبَابِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَحَدِيثًا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ أَبُو مُوسَى) هِيَ كُنْيَةُ إِسْرَائِيلَ، وَاسْمُ أَبِيهِ مُوسَى، فَهُوَ مِمَّنْ وَافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسْمَ أَبِيهِ، فَيُؤْمَنُ فِيهِ مِنَ التَّصْحِيفِ، وَهُوَ بَصْرِيٌّ كَانَ يُسَافِرُ فِي التِّجَارَةِ إِلَى الْهِنْدِ، وَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً.
قَوْلُهُ: (وَلَقِيتُهُ بِالْكُوفَةِ) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: (وَجَاءَ إِلَى ابْنِ شُبْرُمَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ، وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ صَارِمًا عَفِيفًا ثِقَةً فَقِيهًا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ: أَدْخِلْنِي عَلَى عِيسَى فَأَعِظَهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ مِنَ الْوَعْظِ، وَعِيسَى هُوَ ابْنُ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ابْنُ أَخِي الْمَنْصُورِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ إِذْ ذَاكَ.
قَوْلُهُ (فَكَأَنَّ) بِالتَّشْدِيدِ (ابْنَ شُبْرُمَةَ خَافَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إِسْرَائِيلَ (فَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: فَلَمْ يُدْخِلْهُ عَلَى عِيسَى بْنِ مُوسَى، وَلَعَلَّ سَبَبَ خَوْفِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ صَادِعًا بِالْحَقِّ فَخَشِيَ أَنَّهُ لَا يَتَلَطَّفُ بِعِيسَى فَيَبْطِشُ بِهِ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ غِرَّةِ الشَّبَابِ وَغِرَّةِ الْمُلْكِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: دَلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ ابْنِ شُبْرُمَةَ عَلَى أَنَّ مَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَكَانَتْ وَفَاةُ عِيسَى الْمَذْكُورِ فِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ) يَعْنِي الْبَصْرِيَّ وَالْقَائِلُ حَدَّثَنَا هُوَ إِسْرَائِيلُ الْمَذْكُورُ، قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ غَيْرَ سُفْيَانَ، وَتَعَقَّبَهُ مُغَلْطَايْ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ إِسْرَائِيلُ هَذَا، وَهُوَ تَعَقُّبٌ جَيِّدٌ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ الْقِصَّةَ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ فِيهِ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (لَمَّا سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالْكَتَائِبِ) فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ وَالْكَتَائِبُ بِمُثَنَّاةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ جَمْعُ كَتِيبَةٍ بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ وَهِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ تَجْتَمِعُ وَهِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ لِأَنَّ أَمِيرَ الْجَيْشِ إِذَا رَتَّبَهُمْ وَجَعَلَ كُلَّ طَائِفَةٍ عَلَى حِدَةٍ كَتَبَهُمْ فِي دِيوَانِهِ كَذَلِكَ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ، وَمِنْهُ قِيلَ: مَكْتَبُ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ وَقَوْلُهُ أَمْثَالُ الْجِبَالِ أَيْ لَا يُرَى لَهَا طَرَفٌ لِكَثْرَتِهَا كَمَا لَا يَرَى مَنْ قَابَلَ الْجَبَلَ طَرَفَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ شِدَّةَ الْبَأْسِ. وَأَشَارَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى مَا اتَّفَقَ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ ﵁، وَكَانَ عَلِيٌّ لَمَّا انْقَضَى أَمْرُ التَّحْكِيمِ وَرَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ تَجَهَّزَ لِقِتَالِ أَهْلِ الشَّامِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَشَغَلَهُ أَمْرُ الْخَوَارِجِ بِالنَّهْرَوَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ تَجَهَّزَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ فَلَمْ يَتَهَيَّأْ ذَلِكَ لِافْتِرَاقِ آرَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَيْهِ، ثُمَّ وَقَعَ الْجِدُّ مِنْهُ فِي ذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ، فَأَخْرَجَ