للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِسْحَاقُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ قَالَ: لَمَّا خَرَجَ الْخَوَارِجُ قَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: أَتَسِيرُونَ إِلَى الشَّامِ أَوْ تَرْجِعُونَ إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَلَّفُوكُمْ فِي دِيَارِكُمْ؟ قَالُوا: بَلْ نَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْخَوَارِجِ.

قَالَ: فَرَجَعَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ وَاسْتَخْلَفَ الْحَسَنُ، وَصَالَحَ، مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ بِذَلِكَ، فَرَجَعَ عَنْ قِتَالِ مُعَاوِيَةَ. وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَعَلَ عَلِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفًا بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ، فَقُتِلَ عَلِيٌّ فَبَايَعُوا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ، وَكَانَ لَا يُحِبُّ الْقِتَالَ، وَلَكِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَى مُعَاوِيَةَ لِنَفْسِهِ، فَعَرَفَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى الصُّلْحِ، فَنَزَعَهُ وَأَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ كَمَا اشْتَرَطَ الْحَسَنُ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: بَعَثَ الْحَسَنُ، قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا - يَعْنِي مِنَ الْأَرْبَعِينَ - فَسَارَ قَيْسٌ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ. وَكَانَ مُعَاوِيَةُ لَمَّا بَلَغَهُ قَتْلُ عَلِيٍّ خَرَجَ فِي عَسَاكِرَ مِنَ الشَّامِ، وَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ حَتَّى نَزَلَ الْمَدَائِنَ، فَوَصَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى مَسْكَنٍ وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا قُتِلَ سَارَ مُعَاوِيَةُ يُرِيدُ الْعِرَاقَ وَسَارَ الْحَسَنُ يُرِيدُ الشَّامَ فَالْتَقَيَا بِمَنْزِلٍ مِنْ أَرْضِ الْكُوفَةِ، فَنَظَرَ الْحَسَنُ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ فَنَادَى: يَا مُعَاوِيَةُ إِنِّي اخْتَرْتُ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنْ يَكُنْ هَذَا الْأَمْرُ لَكَ فَلَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أُنَازِعَكَ فِيهِ، وَإِنْ يَكُنْ لِي فَقَدْ تَرَكْتُهُ لَكَ، فَكَبَّرَ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ.

وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، انْتَهَى وَفِي صِحَّةِ هَذَا نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِطَلَبِ الصُّلْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ الثَّانِي أَنَّ الْحَسَنَ، وَمُعَاوِيَةَ لَمْ يَتَلَاقَيَا بِالْعَسْكَرَيْنِ حَتَّى يُمْكِنَ أَنْ يَتَخَاطَبَا وَإِنَّمَا تَرَاسَلَا، فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فَنَادَى يَا مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمُرَاسَلَةِ، وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْحَسَنَ رَاسَلَ مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ سِرًّا فَرَاسَلَهُ مُعَاوِيَةُ جَهْرًا.

وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ كَلَامَ الْحَسَنِ الْأَخِيرَ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الصُّلْحِ وَالِاجْتِمَاعِ كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِهِ وَمِنْ طَرِيقِ غَيْرِهِ بِسَنَدِهِمَا إِلَى الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا صَالَحَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، مُعَاوِيَةَ ; قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ قُمْ فَتَكَلَّمْ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ أَكْيَسَ الْكَيْسِ التُّقَى وَإِنَّ أَعْجَزَ الْعَجْزِ الْفُجُورُ، أَلَا وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ حَقٌّ لِامْرِئٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنِّي، أَوْ حَقٌّ لِي تَرَكْتُهُ لِإِرَادَةِ إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ، وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.

وَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهَا: فَخَطَبَ مُعَاوِيَةُ ثُمَّ قَالَ: قُمْ يَا حَسَنُ فَكَلِّمِ النَّاسَ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ بِأَوَّلِنَا وَحَقَنَ دِمَاءَكُمْ بِآخِرِنَا، وَإِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ مُدَّةً وَالدُّنْيَا دُوَلٌ. وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْحَدِيثَ لِأَبِي بَكْرَةَ لَا لِلْمُغِيرَةِ، لَكِنَّ الْجَمْعَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُغِيرَةُ حَدَّثَ بِهِ عِنْدَمَا سَمِعَ مُرَاسَلَةَ الْحَسَنِ بِالصُّلْحِ وَحَدَّثَ بِهِ أَبُو بَكْرَةَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ رَوَى أَصْلَ الْحَدِيثِ جَابِرٌ أَوْرَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ فَوَائِدِ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى جَابِرٍ، وَأَوْرَدَهُ الضِّيَاءُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَارَةِ مِمَّا لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعَجِبْتُ لِلْحَاكِمِ فِي عَدَمِ اسْتِدْرَاكِهِ مَعَ شِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى مِثْلِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: سَلَّمَ الْحَسَنُ، لِمُعَاوِيَةَ الْأَمْرَ وَبَايَعَهُ عَلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَدَخَلَ مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ وَبَايَعَهُ النَّاسُ فَسُمِّيَتْ سَنَةَ الْجَمَاعَةِ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَانْقِطَاعِ الْحَرْبِ. وَبَايَعَ مُعَاوِيَةُ كُلَّ مَنْ كَانَ مُعْتَزِلًا لِلْقِتَالِ كَابْنِ عُمَرَ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، وَأَجَازَ مُعَاوِيَةُ، الْحَسَنَ بِثَلَاثِمِائَةِ أَلْفٍ وَأَلْفِ ثَوْبٍ وَثَلَاثِينَ عَبْدًا وَمِائَةِ جَمَلٍ، وَانْصَرَفَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَوَلَّى مُعَاوِيَةُ الْكُوفَةَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَالْبَصْرَةَ عَبْدَ