اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ وَرَجَعَ إِلَى دِمَشْقَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، لِمُعَاوِيَةَ: أَرَى كَتِيبَةً لَا تُوَلِّي) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ لَا تُدْبِرُ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى تُدْبِرَ أُخْرَاهَا) أَيِ الَّتِي تُقَابِلُهَا، وَنَسَبَهَا إِلَيْهَا لِتُشَارِكَهُمَا فِي الْمُحَارَبَةِ، وَهَذَا عَلَى أَنْ يُدْبِرَ مَنْ أَدْبَرَ رُبَاعِيًّا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ دَبُرَ يَدْبُرُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَقُومُ مَقَامَهَا، يُقَالُ دَبُرْتُهُ إِذَا بَقِيتُ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي الصُّلْحِ إِنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لَا تُوَلِّي حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا وَهِيَ أَبْيَنُ، قَالَ عِيَاضٌ: هِيَ الصَّوَابُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْأُخْرَى خَطَأٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَوْجِيهُهَا مَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ تُرَادَ الْكَتِيبَةُ الْأَخِيرَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْكَتَائِبِ، أَيْ لَا يَنْهَزِمُونَ بِأَنْ تَرْجِعَ الْأُخْرَى أَوْلَى.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُعَاوِيَةُ مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مَنْ يَكْفُلُهُمْ إِذَا قُتِلَ آبَاؤُهُمْ؟ زَادَ فِي الصُّلْحِ: فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ -: أَيْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ مَنْ لِي بِأُمُورِ النَّاسِ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ، مَنْ لِي بِضَيْعَتِهِمْ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ رِجَالَ الْعَسْكَرَيْنِ مُعْظَمُ مَنْ فِي الْإِقْلِيمَيْنِ فَإِذَا قُتِلُوا ضَاعَ أَمْرُ النَّاسِ وَفَسَدَ حَالُ أَهْلِهِمْ بَعْدَهُمْ وَذَرَارِيهِمْ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ضَيْعَتِهِمْ الْأَطْفَالُ وَالضُّعَفَاءُ سُمُّوا بِاسْمِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لِأَنَّهُمْ إِذَا تُرِكُوا ضَاعُوا لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهِمْ بِأَمْرِ الْمَعَاشِ، وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ: مَنْ لِي بِأُمُورِهِمْ، مَنْ لِي بِدِمَائِهِمْ، مَنْ لِي بِنِسَائِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ هُنَا فِي جَوَابِ قَوْلِ مُعَاوِيَةَ: مَنْ لِذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: أَنَا. فَظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُجِيبَ بِذَلِكَ هُوَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَلَمْ أَرَ فِي طُرُقِ الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَلَعَلَّهَا كَانَتْ: فَقَالَ أَنَّى بِتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَهَا عَمْرٌو عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِبْعَادِ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي بَعْثِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَذَكَرَ أَخْبَارًا كَثِيرَةً مِنَ التَّارِيخِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَكَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَلَى مُقَدِّمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ سِجِلًّا قَدْ خُتِمَ فِي أَسْفَلِهِ فَقَالَ: اكْتُبْ فِيهِ مَا تُرِيدُ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: بَلْ نُقَاتِلُهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ - وَكَانَ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ -: عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَا تَخْلُصْ إِلَى قَتْلِ هَؤُلَاءِ حَتَّى يُقْتَلَ عَدَدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَمَا خَيْرُ الْحَيَاةِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُقَاتِلُ حَتَّى لَا أَجِدَ مِنَ الْقِتَالِ بُدًّا.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ: نَلْقَاهُ فَنَقُولُ لَهُ الصُّلْحَ) أَيْ تشِيرُ عَلَيْهِ بِالصُّلْحِ، وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا بَدَآ بِذَلِكَ، وَالَّذِي تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ هُوَ الَّذِي بَعَثَهُمَا، فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُمَا عَرَضَا أَنْفُسَهُمَا فَوَافَقَهُمَا وَلَفْظُهُ هُنَاكَ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَيِ ابْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ. زَادَ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قُلْتُ: وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ خَبَرِهِ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ بِكَافٍ وَرَاءٍ ثُمَّ زَايٍ مُصَغَّرٌ زَادَ الْحُمَيْدِيُّ ابْنُ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَقَدْ مَضَى لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي وَلَّاهُ مُعَاوِيَةُ الْبَصْرَةَ بَعْدَ الصُّلْحِ، وَبَنُو حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ بَنُو عَمِّ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، وَمُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ) أَيْ مَا شَاءَ مِنَ الْمَالِ (وَقُولَا لَهُ) أَيْ فِي حَقْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالصُّلْحِ (وَاطْلُبَا إِلَيْهِ) أَيِ اطْلُبَا مِنْهُ خَلْعَهُ نَفْسَهُ مِنَ الْخِلَافَةِ وَتَسْلِيمَ الْأَمْرِ لِمُعَاوِيَةَ وَابْذُلَا لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مَا شَاءَ (قَالَ فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِي دِمَائِهَا، قَالَا فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ، قَالَ فَمَنْ لِي بِهَذَا؟ قَالَا: نَحْنُ لَكَ بِهِ فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئًا إِلَّا قَالَا نَحْنُ لَكَ بِهِ، فَصَالَحَهُ).
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ هُوَ الرَّاغِبَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute