للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الصُّلْحِ وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَى الْحَسَنِ الْمَالَ وَرَغَّبَهُ فِيهِ وَحَثَّهُ عَلَى رَفْعِ السَّيْفِ وَذَكَّرَهُ مَا وَعَدَهُ بِهِ جَدُّهُ مِنْ سِيَادَتِهِ فِي الْإِصْلَاحِ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ، أَيْ إِنَّا جُبِلْنَا عَلَى الْكَرَمِ وَالتَّوْسِعَةِ عَلَى أَتْبَاعِنَا مِنَ الْأَهْلِ وَالْمَوَالِي وَكُنَّا نَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ بِالْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ لَنَا عَادَةً، وَقَوْلُهُ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ أَيِ الْعَسْكَرَيْنِ الشَّامِيَّ وَالْعِرَاقِيَّ قَدْ عَاثَتْ بِالْمُثَلَّثَةِ - أَيْ قَتَلَ بَعْضُهَا بَعْضًا فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا بِالصَّفْحِ عَمَّا مَضَى مِنْهُمْ وَالتَّأَلُّفِ بِالْمَالِ. وَأَرَادَ الْحَسَنُ بِذَلِكَ كُلِّهِ تَسْكِينَ الْفِتْنَةِ وَتَفْرِقَةَ الْمَالِ عَلَى مَنْ لَا يُرْضِيهِ إِلَّا الْمَالُ، فَوَافَقَاهُ عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَالْتَزَمَا لَهُ مِنَ الْمَالِ فِي كُلِّ عَامٍ وَالثِّيَابِ وَالْأَقْوَاتِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِكُلِّ مَنْ ذُكِرَ. وَقَوْلُهُ: مَنْ لِي بِهَذَا أَيْ: مَنْ يَضْمَنُ لِيَ الْوَفَاءَ مِنْ مُعَاوِيَةَ؟ فَقَالَا: نَحْنُ نَضْمَنُ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ فَوَّضَ لَهُمَا ذَلِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ أَيْ فَرَّقْنَا مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَلِيٍّ وَبَعْدَهُ مَا رَأَيْنَا فِي ذَلِكَ صَلَاحًا فَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا تَصَرَّفَ فِيهِ. وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ: فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَمُرَةَ بْنِ حَبِيبٍ.

كَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ، وَالَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، وَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مَعَ أَخِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ فَقَدِمَا عَلَى الْحَسَنِ بِالْمَدَائِنِ فَأَعْطَيَاهُ مَا أَرَادَ، وَصَالَحَاهُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ خَمْسَةَ آلَافِ أَلْفٍ فِي أَشْيَاءَ اشْتَرَطَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَوَانَةَ بْنِ الْحَكَمِ نَحْوُهُ وَزَادَ وَكَانَ الْحَسَنُ صَالَحَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ مَا فِي بَيْتِ مَالِ الْكُوفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ خَرَاجُ دَارِ أَبْجِرْدَ.

وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ فِي كِتَابِ الْخَوَارِجِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ إِلَى أَبِي بَصْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ لِنَفْسِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُ.

وَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَاتَبَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ وَاشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ فَوَصَلَتِ الصَّحِيفَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَقَدْ أَرْسَلَ إِلَى الْحَسَنِ يَسْأَلُهُ الصُّلْحَ وَمَعَ الرَّسُولِ صَحِيفَةٌ بَيْضَاءُ مَخْتُومٌ عَلَى أَسْفَلِهَا، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنِ اشْتَرِطْ مَا شِئْتَ فَهُوَ لَكَ، فَاشْتَرَطَ الْحَسَنُ أَضْعَافَ مَا كَانَ سَأَلَ أَوَّلًا، فَلَمَّا الْتَقَيَا وَبَايَعَهُ الْحَسَنُ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ مَا اشْتَرَطَ فِي السِّجِلِّ الَّذِي خَتَمَ مُعَاوِيَةُ فِي أَسْفَلِهِ فَتَمَسَّكَ مُعَاوِيَةُ إِلَّا مَا كَانَ الْحَسَنُ سَأَلَهُ أَوَّلًا، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ أَجَابَ سُؤَالَهُ أَوَّلَ مَا وَقَفَ عَلَيْهِ فَاخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَنْفُذْ لِلْحَسَنِ مِنَ الشَّرْطَيْنِ شَيْءٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عَلِيٌّ سَارَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ وَمُعَاوِيَةُ فِي أَهْلِ الشَّامِ فَالْتَقَوْا، فَكَرِهَ الْحَسَنُ الْقِتَالَ وَبَايَعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الْعَهْدَ لِلْحَسَنِ مِنْ بَعْدِهِ فَكَانَ أَصْحَابُ الْحَسَنِ يَقُولُونَ لَهُ يَا عَارَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ الْعَارُ خَيْرٌ مِنَ النَّارِ.

قَوْلُهُ: (قَالَ الْحَسَنُ) هُوَ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ، وَوَقَعَ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ، لِأَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا نَصُّهُ: أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَ الْحَسَنِ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ فَتَأَوَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ عِنْدَهُمْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَحَمَلَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، وَالْبُخَارِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، قَالَ الْبَاجِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْحَسَنَ الَّذِي قَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ أَبِي بَكْرَةَ. إِنَّمَا هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ. انْتَهَى، وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ قَدْ أَخْرَجَ مَتْنَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مُجَرَّدًا عَنِ الْقِصَّةِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي مُوسَى - وَهُوَ إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى - عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ: قَالَ الْحَسَنُ: فَلَمَّا وَلَّى مَا أُهْرِيقَ فِي سَبَبِهِ مِحْجَمَةُ دَمٍ. فَالْحَسَنُ الْقَائِلُ هُوَ الْبَصْرِيُّ، وَالَّذِي وَلَّى هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَلَيْسَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي هَذَا رِوَايَةٌ، وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ - إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى، وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ - لَمْ يُدْرِكْ وَاحِدٌ مِنْهُمُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ.

وَقَدْ صَرَّحَ إِسْرَائِيلُ بِقَوْلِهِ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ وَذَلِكَ