للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ.

وَقَدْ ذَكَرَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ أَحَدَ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ صِفِّينَ فِي تَأْلِيفِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: أَنْتَ تُنَازِعُ عَلِيًّا فِي الْخِلَافَةِ أَوْ أَنْتَ مِثْلُهُ؟ قَالَ: لَا، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنِّي وَأَحَقُّ بِالْأَمْرِ، وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا ابْنُ عَمِّهِ وَوَلِيُّهُ أَطْلُبُ بِدَمِهِ؟ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَعُ لَنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ، فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ: يَدْخُلُ فِي الْبَيْعَةِ وَيُحَاكِمُهُمْ إِلَيَّ، فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَةُ فَسَارَ عَلِيٌّ فِي الْجُيُوشِ مِنَ الْعِرَاقِ حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ، وَسَارَ مُعَاوِيَةُ حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، فَتَرَاسَلُوا فَلَمْ يَتِمَّ لَهُمْ أَمْرٌ، فَوَقَعَ الْقِتَالُ إِلَى أَنْ قُتِلَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ نَحْوُ سَبْعِينَ أَلْفًا. وَقِيلَ: كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: كَانَ بَيْنَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ زَحْفًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ مَا زَادَهَا أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْمَذْكُورِ هُنَاكَ مِنْ قِصَّةِ التَّحْكِيمِ بِصِفِّينَ وَتَشْبِيهِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مَا وَقَعَ لَهُمْ بِهَا بِمَا وَقَعَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ أَبِي الرِّضَا، سَمِعْتُ عَمَّارًا يَوْمَ صِفِّينَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَنِفَهُ الْحُورُ الْعِينُ فَلْيَتَقَدَّمْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ مُحْتَسِبًا.

وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ عَمَّارٍ فَقَالَ رَجُلٌ: كَفَرَ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ عَمَّارٌ: لَا تَقُولُوا ذَلِكَ نَبِيُّنَا وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ حَادُوا عَنِ الْحَقِّ فَحُقَّ عَلَيْنَا أَنْ نُقَاتِلَهُمْ حَتَّى يَرْجِعُوا.

وَذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قُتِلَ وَبُويِعَ عَلِيٌّ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَيْهِ أَنْ يُقِرَّ مُعَاوِيَةَ عَلَى الشَّامِ حَتَّى يَأْخُذَ لَهُ الْبَيْعَةَ ثُمَّ يَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ، فَامْتَنَعَ. فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلِيَ لَهُ شَيْئًا أَبَدًا.

فَلَمَّا فَرَغَ عَلِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَمَلِ أَرْسَلَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ إِلَى مُعَاوِيَةَ يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَامْتَنَعَ، فَأَرْسَلَ أَبَا مُسْلِمٍ كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ يَنْتَظِمِ الْأَمْرُ، وَسَارَ عَلِيٌّ فِي الْجُنُودِ إِلَى جِهَةِ مُعَاوِيَةَ، فَالْتَقَيَا بِصِفِّينَ فِي الْعَشَرِ الْأُوَلِ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَأَوَّلُ مَا اقْتَتَلُوا فِي غُرَّةِ صَفَرٍ، فَلَمَّا كَادَ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ يُغْلَبُوا رَفَعُوا الْمَصَاحِفَ بِمَشُورَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَدَعَوْا إِلَى مَا فِيهَا، فَآلَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَكَمَيْنِ، فَجَرَى مَا جَرَى مِنَ اخْتِلَافِهِمَا، وَاسْتِبْدَادِ مُعَاوِيَةَ بِمُلْكِ الشَّامِ، وَاشْتِغَالِ عَلِيٍّ بِالْخَوَارِجِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ: أَتَيْتُ أَبَا وَائِلٍ فَقَالَ: كُنَّا بِصِفِّينَ، فَلَمَّا اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِأَهْلِ الشَّامِ قَالَ عَمْرٌو، لِمُعَاوِيَةَ: أَرْسِلْ إِلَى عَلِيٍّ الْمُصْحَفَ فَادْعُهُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَأْبَى عَلَيْكَ، فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ فَقَالَ عَلِيٌّ: نَعَمْ أَنَا أَوْلَى بِذَلِكَ، فَقَالَ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ صَارُوا بَعْدَ ذَلِكَ خَوَارِجَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا نَنْظُرُ بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، أَلا نَمْشِي عَلَيْهِمْ بِسُيُوفِنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا؟ فَقَالَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الصُّلْحِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى قِصَّةِ التَّحْكِيمِ فِي بَابِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ مِنْ كِتَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ.

وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ مُعَاوِيَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ مَنْدَهْ، ثُمَّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ أَخِي أَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَمِّي، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُبْغِضُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو زُرْعَةَ: رَبُّ مُعَاوِيَةَ رَبٌّ رَحِيمٌ وَخَصْمُ مُعَاوِيَةَ خَصْمٌ كَرِيمٌ فَمَا دُخُولُكَ بَيْنَهُمَا؟

قَوْلُهُ: (وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ) جَمْعُ دَجَّالٍ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَالْمُرَادُ بِبَعْثِهِمْ إِظْهَارُهُمْ، لَا الْبَعْثُ بِمَعْنَى الرِّسَالَةِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ بِتَقْدِيرِهِ.

قَوْلُهُ: (قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِالْجَزْمِ، وَفِي بَعْضِهَا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي بَعْضِهَا بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْجَزْمُ فَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ: وَأَنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ