للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِحَدِيثِ الْقَحْطَانِيِّ، فَإِنَّ حِمْيَرَ يَرْجِعُ نَسَبُهَا إِلَى قَحْطَانَ، وَبِهِ يَقْوَى أَنَّ مَفْهُومَ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَا أَقَامُوا الدِّينَ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُقِيمُوا الدِّينَ خَرَجَ الْأَمْرُ عَنْهُمْ، وَيُؤْخَذُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ خُرُوجَهُ عَنْهُمْ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَ إِيقَاعِ مَا هُدِّدُوا بِهِ مِنَ اللَّعْنِ أَوَّلًا، وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْخِذْلَانِ وَفَسَادِ التَّدْبِيرِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صَدْرِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، ثُمَّ التَّهْدِيدِ بِتَسْلِيطِ مَنْ يُؤْذِيهِمْ عَلَيْهِمْ، وَوُجِدَ ذَلِكَ فِي غَلَبَةِ مَوَالِيهِمْ بِحَيْثُ صَارُوا مَعَهُمْ كَالصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ يَقْتَنِعُ بِلَذَّاتِهِ وَيُبَاشِرُ الْأُمُورَ غَيْرُهُ، ثُمَّ اشْتَدَّ الْخَطْبُ فَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الدَّيْلَمُ فَضَايَقُوهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ إِلَّا الْخُطْبَةُ، وَاقْتَسَمَ الْمُتَغَلِّبُونَ الْمَمَالِكَ فِي جَمِيعِ الْأَقَالِيمِ، ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِمْ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ حَتَّى انْتُزِعَ الْأَمْرُ مِنْهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْخَلِيفَةِ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْمِ فِي بَعْضِ الْأَمْصَارِ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ) يَعْنِي عَنْ مُعَاوِيَةَ بِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، فَذَكَرَهُ مِثْلَ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَغَضِبَ فَقَالَ سَمِعْتُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ سَمِعْتُ، وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ كُبَّ عَلَى وَجْهِهِ بِضَمِّ الْكَافِ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَعْمَرٍ إِلَّا ابْنُ الْمُبَارَكِ تَفَرَّدَ بِهِ نُعَيْمٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ عَنْ نُعَيْمٍ وَقَالَ: كَبَّهُ اللَّهُ.

الحديث الثاني:

قَوْلُهُ: (عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) أَيِ ابْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عُمَرَ) هُوَ جَدُّ الرَّاوِي عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ) أَيِ الْخِلَافَةُ، يَعْنِي لَا يَزَالُ الَّذِي يَلِيهَا قُرَشِيًّا.

قَوْلُهُ: (مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ) قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّهُمْ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا اثْنَانِ أَمِيرٌ وَمُؤَمَّرٌ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ لَهُمْ تَبَعٌ. قُلْتُ: فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَا بَقِيَ فِي النَّاسِ اثْنَانِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ انْتِفَاءُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِ قُرَيْشٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُحْمَلَ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ، أَيْ لَا يُسَمَّى بِالْخَلِيفَةِ إِلَّا مَنْ يَكُونُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا أَنْ يُسَمَّى بِهِ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ غَلَبَةً وَقَهْرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِلَفْظِ الْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْخَبَرِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الْأَمْرِ فِي قُرَيْشٍ فِي بَعْضِ الْأَقْطَارِ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنَّ بِالْبِلَادِ الْيَمَنِيَّةِ وَهِيَ النُّجُودُ مِنْهَا طَائِفَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لَمْ تَزَلْ مَمْلَكَةُ تِلْكَ الْبِلَادِ مَعَهُمْ مِنْ أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ، وَأَمَّا مَنْ بِالْحِجَازِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُمْ أُمَرَاءُ مَكَّةَ وَأُمَرَاءُ يَنْبُعَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُمْ أُمَرَاءُ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مِنْ صَمِيمِ قُرَيْشٍ لَكِنَّهُمْ تَحْتَ حُكْمِ غَيْرِهِمْ مِنْ مُلُوكِ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ بِقُطْرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَبِيرُ أُولَئِكَ أَيْ أَهْلُ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ الْإِمَامُ، وَلَا يَتَوَلَّى الْإِمَامَةُ فِيهِمْ إِلَّا مَنْ يَكُونُ عَالِمًا مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ.

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَمْ يَخْلُ الزَّمَانُ عَنْ وُجُودِ خَلِيفَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِذْ فِي الْمَغْرِبِ خَلِيفَةٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا قِيلَ وَكَذَا فِي مِصْرَ. قُلْتُ: الَّذِي فِي مِصْرَ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ قُرَشِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعَبَّاسِ، وَالَّذِي فِي صَعْدَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْيَمَنِ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ قُرَشِيًّا لِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَمَّا الَّذِي فِي الْمَغْرِبِ فَهُوَ حَفْصِيٌّ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَبِي حَفْصٍ صَاحِبِ ابْنِ تُومَرْتَ، وَقَدِ انْتَسَبُوا إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَهُوَ قُرَشِيٌّ. وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ وَاصِبًا مَا بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ عِشْرُونَ رَجُلًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ: حُكْمُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مُسْتَمِرٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ ، فَمِنْ زَمَنِهِ إِلَى الْآنَ لَمْ تَزَلِ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى الْمُلْكِ بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ لَا يُنْكِرُ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ، وَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُمْ انْتَهَى.

وَقَدْ