للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قُوَّةٌ وَعَشِيرَةٌ فَيَطْمَعُ فِي الْمُلْكِ وَيَسْتَنِدُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيَضِلُّ لِمُخَالَفَتِهِ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ فِي أَنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ.

قَوْلُهُ: (فَإِنِّي سَمِعْتُ) لِمَا أَنْكَرَ وَحَذَّرَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ) قَدْ ذَكَرْتُ شَوَاهِدَ هَذَا الْمَتْنِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

قَوْلُهُ: (لَا يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ) أَيْ لَا يُنَازِعُهُمْ أَحَدٌ فِي الْأَمْرِ إِلَّا كَانَ مَقْهُورًا فِي الدُّنْيَا مُعَذَّبًا فِي الْآخِرَةِ.

قَوْلُهُ: (مَا أَقَامُوا الدِّينَ) أَيْ مُدَّةَ إِقَامَتِهِمْ أُمُورَ الدِّينِ، قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَفْهُومُهُ فَإِذَا لَمْ يُقِيمُوهُ لَا يُسْمَعُ لَهُمْ، وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ إِبْقَاؤُهُمْ عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُمَا ابْنُ التِّينِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ أَيِ الْخَلِيفَةُ إِذَا دَعَا إِلَى كُفْرٍ أَوْ بِدْعَةٍ أَنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا غَصَبَ الْأَمْوَالَ وَسَفَكَ الدِّمَاءَ وَانْتَهَكَ هَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ أَوْ لَا، انْتَهَى. وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا إِذَا دَعَا الْخَلِيفَةُ إِلَى الْبِدْعَةِ مَرْدُودٌ، إِلَّا إِنْ حَمَلَ عَلَى بِدْعَةٍ تُؤَدِّي إِلَى صَرِيحِ الْكُفْرِ، وَإِلَّا فَقَدْ دَعَا الْمَأْمُونُ، وَالْمُعْتَصِمُ وَالْوَاثِقُ إِلَى بِدْعَةِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَعَاقَبُوا الْعُلَمَاءَ مِنْ أَجْلِهَا بِالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ وَأَنْوَاعِ الْإِهَانَةِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِوُجُوبِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَدَامَ الْأَمْرُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً حَتَّى وَلِيَ الْمُتَوَكِّلُ الْخِلَافَةَ، فَأَبْطَلَ الْمِحْنَةَ وَأَمَرَ بِإِظْهَارِ السُّنَّةِ؟ وَمَا نَقَلَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ فِي قَوْلِهِ: مَا أَقَامُوا الدِّينَ خِلَافُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ الدَّالَّةُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَفْهُومِهِ، أَوْ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يُقِيمُوا الدِّينَ يَخْرُجُ الْأَمْرُ عَنْهُمْ.

وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَظِيرُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ فَذَكَرَ قِصَّةَ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَبَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهَا: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ وَاسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِهِ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ:

الْأَوَّلُ: وَعِيدُهُمْ بِاللَّعْنِ إِذَا لَمْ يُحَافِظُوا عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ حَيْثُ قَالَ: الْأُمَرَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ مَا فَعَلُوا ثَلَاثًا: مَا حَكَمُوا فَعَدَلُوا … الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي خُرُوجَ الْأَمْرِ عَنْهُمْ.

الثَّانِي: وَعِيدُهُمْ بِأَنْ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يُبَالِغُ فِي أَذِيَّتِهِمْ، فَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ أَهْلُ هَذَا الْأَمْرِ مَا لَمْ تُحْدِثُوا، فَإِذَا غَيَّرْتُمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَنْ يَلْحَاكُمْ كَمَا يُلْحَى الْقَضِيبُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، هَذِهِ رِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَخَالَفَهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ فَرَوَاهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَلَفْظُهُ: لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ وَأَنْتُمْ وُلَاتُهُ. الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَفِي سَمَاعِ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ أَبِي مَسْعُودٍ نَظَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي سَنَةِ وَفَاتِهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى عَطَاءٍ وَلَفْظُهُ: قَالَ لِقُرَيْشٍ: أَنْتُمْ أَوْلَى النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ مَا كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ، إِلَّا أَنْ تَعْدِلُوا عَنْهُ فَتُلْحَوْنَ كَمَا تُلْحَى هَذِهِ الْجَرِيدَةُ وَلَيْسَ فِي هَذَا أَيْضًا تَصْرِيحٌ بِخُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إِشْعَارٌ بِهِ.

الثَّالِثُ: الْإِذْنُ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِمْ وَقِتَالِهِمْ وَالْإِيذَانِ بِخُرُوجِ الْأَمْرِ عَنْهُمْ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَفَعَهُ: اسْتَقِيمُوا لِقُرَيْشٍ مَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَقِيمُوا فَضَعُوا سُيُوفَكُمْ عَلَى عَوَاتِقِكُمْ فَأَبِيدُوا خَضْرَاءَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَكُونُوا زَرَّاعِينَ أَشْقِيَاءَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا؛ لِأَنَّ رَاوِيهِ سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ثَوْبَانَ. وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ بِمَعْنَاهُ.

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ذِي مِخْبَرٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهُمَا رَاءٌ وَهُوَ ابْنُ أَخِي النَّجَاشِيِّ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي حِمْيَرٍ فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ وَصَيَّرَهُ فِي قُرَيْشٍ وَسَيَعُودُ إِلَيْهِمْ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ