للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنْهُ قَالَ: لَا تَشْهَدْ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى تُقْرَأَ عَلَيْكَ، وَلَا تَشْهَدْ عَلَى مَنْ لَا تَعْرِفُ، وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ. وَأَمَّا أَثَرُ أَبِي قِلَابَةَ فَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ جَمِيعًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: قَالَ أَبُو قِلَابَةَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: اشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: لَا حَتَّى يُعْلَمَ مَا فِيهَا زَادَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: لَعَلَّ فِيهَا جَوْرًا. وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ بَيَانُ السَّبَبِ فِي الْمَنْعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ وَافَقَ الدَّاوُدِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّةٍ حَتَّى يَعْرِفَ مَا فِيهَا. وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ التِّينِ بِأَنَّهَا إِذَا كَانَ فِيهَا جَوْرٌ لَمْ يَمْنَعِ التَّحَمُّلَ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَادِرٌ عَلَى رَدِّهِ إِذَا أَوْجَبَ حُكْمُ الشَّرْعِ رَدَّهُ، وَمَا عَدَاهُ يَعْمَلُ بِهِ فَلَيْسَ خَشْيَةُ الْجَوْرِ فِيهَا مَانِعًا مِنَ التَّحَمُّلِ، وَإِنَّمَا الْمَانِعُ الْجَهْلُ بِمَا يَشْهَدُ بِهِ. قَالَ: وَوَجْهُ الْجَوْرِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَرْغَبُ فِي إِخْفَاءِ أَمْرِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَمُوتَ فَيَحْتَاطُ بِالْإِشْهَادِ، وَيَكُونُ حَالُهُ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْإِخْفَاءِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ إِلَى أَهْلِ خَيْبَرَ إِلَخْ) هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي قِصَّةِ حُوَيِّصَةَ، وَمُحَيِّصَةَ وَقَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ بِخَيْبَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الدِّيَاتِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ وَيَأْتِي بِهَذَا اللَّفْظِ فِي بَابِ كِتَابَةِ الْحَاكِمِ إِلَى عُمَّالِهِ بَعْدَ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ بَابًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنَ السِّتْرِ) أَيْ مِنْ وَرَائِهِ.

قَوْلُهُ (إِنْ عَرَفْتَهَا فَاشْهَدْ) وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِنَحْوِهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرَاهَا حَالَةَ الْإِشْهَادِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يَعْرِفَهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ فُرِضَ، وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ أُشِيرُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.

قَوْلُهُ: (لَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الرُّومِ) كَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ سِتٍّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ الطَّوِيلِ الْمُذْكُورِ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا إِنَّهُمْ لَا يَقْرَءُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا) لَمْ أَعْرِفِ اسْمَ الْقَائِلِ بِعَيْنِهِ.

قَوْلُهُ: (فَاتَّخَذَ خَاتَمًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ، وَجُمْلَةُ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ بِآثَارِهَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ، وَكِتَابُ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا فِي الْكِتَابِ.

وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ جَوَازُ جَمِيعِ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْحُكْمُ الْأَوَّلُ فَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ لِلشَّاهِدِ إِذَا رَأَى خَطَّهُ إِلَّا إِذَا تَذَكَّرَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا فَلَا يَشْهَدْ، فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ انْتَقَشَ خَاتَمًا وَمَنْ شَاءَ كَتَبَ كِتَابًا، وَقَدْ فُعِلَ مِثْلُهُ فِي أَيَّامِ عُثْمَانَ فِي قِصَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي سَبَبِ قَتْلِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ وَأَجَازَ مَالِكٌ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ، وَنَقَلَ ابْنُ شَعْبَانَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا آخُذُ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: خَالَفَ مَالِكًا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ وَعَدُّوا قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ شُذُوذًا، لِأَنَّ الْخَطَّ قَدْ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَلَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى قَوْلٍ مِنْهُ وَلَا مُعَايَنَةً.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ خَطَأٌ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلٍ قَالَ: سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ: رَأَيْتُ فُلَانًا قَتَلَ فُلَانًا أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ قَذَفَ: لَا يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِهِ إِلَّا أنْ أَشْهَدَهُ. قَالَ: فَالْخَطُّ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا وَأَضْعَفُ، قَالَ: وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِشْهَادُ الْمَوْتَى، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُقْضَى فِي دَهْرِنَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا ضُرُوبًا مِنَ الْفُجُورِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَقَضِيَةٌ عَلَى نَحْوِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ. وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى يُجِيزُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى خَاتَمِ الْقَاضِي، ثُمَّ رَأَى مَالِكٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَهَذِهِ أَقْوَالُ جَمَاعَةِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ تُوَافِقُ الْجُمْهُورَ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لَهُ: أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ قَوْمٌ لَا نَظَرَ لَهُمْ، فَإِنَّ الْكُتَّابَ يُشَبِّهُونَ الْخَطَّ بِالْخَطِّ حَتَّى يُشْكِلَ ذَلِكَ عَلَى أَعْلَمِهِمْ انْتَهَى.

وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَكَيْفَ بِمَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ مُسَارَعَةً إِلَى الشَّرِّ مِمَّنْ مَضَى وَأَدَقُّ نَظَرًا فِيهِ