شَيْءٌ مِمَّا يَقُولَانِ وَيُخْفِيَانِ أَحْيَانًا.
قَوْلُهُ: ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ عَلَى طَمَعٍ أَيْ: أَنْ يُوَلِّيَهُ، وَقَوْلُهُ: وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَظُنُّهُ أَشَارَ إِلَى الدَّعَايَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي عَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ خَافَ مِنْ عَلِيٍّ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ خَافَ إِنْ بَايَعَ لِغَيْرِهِ أَنْ لَا يُطَاوِعَهُ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِيمَا بَعْدُ: فَلَا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ فَأَصْبَحْنَا وَمَا أَرَاهُ يُبَايَعُ إِلَّا لِعَلِيٍّ يَعْنِي مِمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرَائِنِ تَقْدِيمِهِ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي عُثْمَانَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَ عَلِيٍّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ عُثْمَانَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَكْسُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوَّلًا: اذْهَبْ فَادْعُ عُثْمَانَ وَفِيهِ: فَخَلَا بِهِ وَفِيهِ: لَا أَفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمَا شَيْئًا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهْمًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَمَرَّةً بَدَأَ بِهَذِهِ وَمَرَّةً بَدَأَ بِهَذَا.
قَوْلُهُ: (وَأَرْسَلَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَكَانُوا وَافَوْا تِلْكَ الْحَجَّةَ مَعَ عُمَرَ) أَيْ قَدِمُوا إِلَى مَكَّةَ فَحَجُّوا مَعَ عُمَرَ وَرَافَقُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُمْ مُعَاوِيَةُ أَمِيرُ الشَّامِ، وَعُمَيْرُ بْنُ سَعِدٍ أَمِيرُ حِمْصٍ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَمِيرُ مِصْرَ.
قَوْلُهُ: فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ جَلَسَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ: فَلَمَّا صَلَّى صُهَيْبٌ بِالنَّاسِ صَلَاةَ الصُّبْحِ، جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَتَخَطَّى حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَجَاءَهُ رَسُولُ سَعْدٍ يَقُولُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: ارْفَعْ رَأْسَكَ وَانْظُرْ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ وَبَايِعْ لِنَفْسِكَ.
قَوْلُهُ: أَمَّا بَعْدُ زَادَ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ: فَأَعْلَنَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ، يَا عَلِيُّ إِنِّي نَظَرْتُ فِي أَمْرِ النَّاسِ فَلَمْ أَرَهُمْ يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ أَيْ لَا يَجْعَلُونَ لَهُ مُسَاوِيًا بَلْ يُرَجِّحُونَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَا تَجْعَلَنَّ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلًا) أَيْ مِنَ الْمَلَامَةِ إِذَا لَمْ تُوَافِقِ الْجَمَاعَةَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَتَرَدَّدْ عِنْدَ الْبَيْعَةِ فِي عُثْمَانَ، لَكِنْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ: بَدَأَ بِعَلِيٍّ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْقِدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَاللَّهِ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ، ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ الْآخَرُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ حَفِظَهُ لَكِنْ طَوَى بَعْضُ الرُّوَاةِ ذِكْرَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي اللَّيْلِ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعَهُمَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، فَأَخَذَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَضَ عَلَى عَلِيٍّ فَلَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى بَعْضِ الشُّرُوطِ، وَعَرَضَ عَلَى عُثْمَانَ فَقَبِلَ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَيْفَ بَايَعْتُمْ عُثْمَانَ وَتَرَكْتُمْ عَلِيًّا فَقَالَ: مَا ذَنْبِي بَدَأْتُ بِعَلِيٍّ فَقُلْتُ لَهُ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَسِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، فَقَالَ فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَعَرَضْتُهَا عَلَى عُثْمَانَ فَقَبِلَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْهُ، وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ضَعِيفٌ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: مَا لَكَ جَفَوْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُثْمَانَ فَذَكَرَ قِصَّةً، وَفِيهَا: قَوْلُ عُثْمَانَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: سِيرَةُ عُمَرَ فَإِنِّي لَا أُطِيقُهَا وَلَا هُوَ، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ بَايَعَهُ عَلَى أَنْ يَسِيرَ سِيرَةَ عُمَرَ فَعَاتَبَهُ عَلَى تَرْكِهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ هَذَا ضَعْفُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ إِذْ لَوْ كَانَ اسْتَخْلَفَ بِشَرْطِ أَنْ يَسِيرَ بِسِيرَةِ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ مَا أَجَابَ بِهِ عُذْرًا فِي التَّرْكِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: وَإِنَّمَا قَالَ لِعَلِيٍّ ذَلِكَ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَكُنْ يَطْمَعْ فِي الْخِلَافَةِ مَعَ وُجُودِهِ وَوُجُودِ عُثْمَانَ، وَسُكُوتُ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الشُّورَى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ دَلِيلٌ عَلَى تَصْدِيقِهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ فِيمَا قَالَ، وَعَلَى الرِّضَا بِعُثْمَانَ. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute