شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ قَالَ: حَجَجْتُ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَلَمْ أَرَهُمْ يَشُكُّونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ وَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبَّةَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ إِلَى حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ مَنْ تَرَى قَوْمَكَ يُؤَمِّرُونَ بَعْدِي. قَالَ. قُلْتُ: قَدْ نَظَرَ النَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ وَشَهَرُوهُ لَهَا. وَأَخْرَجَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَخَيْثَمَةُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّب، حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ فَكَانَ الْحَادِي يَحْدُو أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ) أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُخَاطِبًا لِعُثْمَانَ (أُبَايِعُكَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَقَالَ: نَعَمْ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَأَخْرَجَ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقِهِ ثُمَّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ أَعْلَمَ النَّاسِ بِأَمْرِ الشُّورَى لِأَنِّي كُنْتُ رَسُولَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِي آخِرِهِ. فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ يَا عَلِيُّ مُبَايِعِي إِنْ وَلَّيْتُكَ هَذَا الْأَمْرَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسُنَّةِ الْمَاضِينَ قَبْلُ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ عَلَى طَاقَتِي، فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ، قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَاعْتَمَّ وَلَبِسَ السَّيْفَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ رَقَى الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى عُثْمَانَ فَبَايَعَهُ فَعَرَفْتُ أَنَّ خَالِيَ أُشْكِلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُمَا فَأَعْطَاهُ أَحَدُهُمَا وَثِيقَةً، وَمَنَعَهُ الْآخَرُ إِيَّاهَا، وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْأَخِيرَةِ عَلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَا يَرَيَانِ ذَلِكَ بِخِلَافِ عَلِيٍّ، وَأَجَابَ مَنْ مَنَعَهُ وَهُمُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّيرَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِهِ لَا التَّقْلِيدُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمَا فِيمَا لَمْ يَظْهَرْ لِلتَّابِعِ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا لِلضَّرُورَةِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْإِسْلَامِ أَحَدٌ لَهُ مِنَ الْمَنْزِلَةِ فِي الدِّينِ وَالْهِجْرَةِ وَالسَّابِقَةِ وَالْعَقْلِ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ بِالسِّيَاسَةِ مَا لِلسِّتَّةِ الَّذِينَ جَعَلَ عُمَرُ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَهُمْ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ وَكَانَ رَأْيُ عُمَرَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ أَرْضَاهُمْ دِينًا، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالْأَفْضَلِ مِنْهُمْ لَكَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ، وَهُوَ قَصَدَ أَنْ لَا يَتَقَلَّدَ الْعُهْدَةَ فِي ذَلِكَ ; فَجَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ مُتَقَارِبِينَ فِي الْفَضْلِ، لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ، وَلَا يَأْلُونَ الْمُسْلِمِينَ نُصْحًا فِي النَّظَرِ وَالشُّورَى، وَأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْهُمْ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى الْفَاضِلِ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِي مَنْزِلَةٍ وَغَيْرُهُ أَحَقُّ بِهَا مِنْهُ، وَعَلِمَ رِضَا الْأُمَّةِ بِمَنْ رَضِيَ بِهِ السِّتَّةُ.
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ بُطْلَانُ قَوْلِ الرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ فِي أَشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا أَطَاعُوا عُمَرَ فِي جَعْلِهَا شُورَى، وَلَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ مَا وَجْهُ التَّشَاوُرِ فِي أَمْرٍ كُفِينَاهُ بِبَيَانِ اللَّهِ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَفِي رِضَا الْجَمِيعِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ فِي الْإِمَامَةِ أَوْصَافٌ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ اسْتَحَقَّهَا، وَإِدْرَاكُهَا يَقَعُ بِالِاجْتِهَادِ، وَفِيهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَوْثُوقَ بِدِيَانَتِهِمْ إِذَا عَقَدُوا عَقْدَ الْخِلَافَةِ لِشَخْصٍ بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَحِلَّ ذَلِكَ الْعَقْدَ، إِذْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ، لَقَالَ قَائِلٌ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ السِّتَّةِ، فَلَمَّا لَمْ يَعْتَرِضْ مِنْهُمْ مُعْتَرِضٌ بَلْ رَضُوا وَبَايَعُوا، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ، انْتَهَى. مُلَخَّصًا مِنْ كِتَابِ ابْنِ بَطَّالٍ.
وَيَتَحَصَّلُ مِنْهُ جَوَابُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرَى جَوَازَ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيرَةِ عُمَرَ فِي أُمَرَائِهِ الَّذِينَ كَانَ يُؤَمِّرُهُمْ فِي الْبِلَادِ، أَنَّهُ كَانَ لَا يُرَاعِي الْأَفْضَلَ فِي الدِّينِ فَقَطْ بَلْ يُضَمُّ إِلَيْهِ مَزِيدُ الْمَعْرِفَةِ بِالسِّيَاسَةِ مَعَ اجْتِنَابِ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ مِنْهَا، فَلِأَجْلِ هَذَا اسْتَخْلَفَ مُعَاوِيَةَ، وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالْعِلْمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute