للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَلَقٌ. قال: وَيَبْعُدُ أَنْ تُتْرَكَ الْكِلَابُ تَنْتَابُ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَمْتَهِنَهُ بِالْبَوْلِ فِيهِ.

وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ بِطَهَارَتِهَا لَمْ يَمْتَنِعْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِرَّةِ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَكْرِيمِ الْمَسَاجِدِ وَتَطْهِيرِهَا وَجَعْلِ الْأَبْوَابِ عَلَيْهَا، وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ مَا زَادَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قال: كَانَ عُمَرُ يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ اجْتَنِبُوا اللَّغْوَ فِي الْمَسْجِدِ، قال ابْنُ عُمَرَ: وَقَدْ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَكَانَتِ الْكِلَابُ. . . إِلَخْ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَكْرِيمِ الْمَسْجِدِ حَتَّى مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى طَهَارَةِ الْكَلْبِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّهُ اسْمٌ مُضَافٌ، لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا قَبْلَ الزَّمَنِ الَّذِي أُمِرَ فِيهِ بِصِيَانَةِ الْمَسْجِدِ، وَفِي قَوْلِهِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ مُبَالَغَةٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَى نَفْيِ الْغَسْلِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، وَاسْتَدَلَّ بِذَلِكَ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْكِلَابِ أَنْ تَتْبَعَ مَوَاضِعَ الْمَأْكُولِ، وَكَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لَا بُيُوتَ لَهُمْ إِلَّا الْمَسْجِدَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَصِلَ لُعَابُهَا إِلَى بَعْضِ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَسْجِدِ مُتَيَقَّنَةٌ وَمَا ذُكِرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ. ثُمَّ إِنَّ دَلَالَتَهُ لَا تُعَارِضُ دَلَالَةَ مَنْطُوقِ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِهِ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَةُ بِالْجَفَافِ، يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَبِّ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى، فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَافَ يُفِيدُ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ مَا تَرَكُوا ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.

(تَنْبِيهٌ): حَكَى ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ الشَّارِحِ أَنَّهُ أَبْدَلَ قَوْلَهُ يَرُشُّونَ بِلَفْظِ يَرْتَقِبُونَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ قَافٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَفَسَّرَهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَخْشَوْنَ فَصُحِّفَ اللَّفْظُ، وَأَبْعَدَ فِي التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الِارْتِقَابِ الِانْتِظَارُ، وَأَمَّا نَفْيُ الْخَوْفِ مِنْ نَفْيِ الِارْتِقَابِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِبَعْضِ لَوَازِمِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

١٧٥ - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ ابْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قال: سَأَلْتُ النَّبِيَّ فَقَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِذَا أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ. قُلْتُ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ، قال: فَلَا تَأْكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ.

[الحديث ١٧٥ - أطرافه في: ٧٣٩٧، ٥٤٨٧، ٥٤٨٦، ٥٤٨٤، ٥٤٨٣، ٥٤٧٧، ٢٠٥٤]

قَوْلُهُ: (ابْنُ أَبِي السَّفَرِ) تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَنَّ السَّفَرَ بِفَتْحِ الْفَاءِ، وَوَهِمَ مَنْ سَكَّنَهَا.

قَوْلُهُ: (عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ) أَيِ الطَّائِيُّ.

قَوْلُهُ: (سَأَلْتُ)؛ أَيْ: عَنْ حُكْمِ صَيْدِ الْكِلَابِ، وَحَذَفَ لَفْظَ السُّؤَالِ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْجَوَابِ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِي الصَّيْدِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِنَّمَا سَاقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ هُنَا لِيَسْتَدِلَّ بِهِ لِمَذْهَبِهِ فِي طَهَارَةِ سُؤْرِ الْكَلْبِ، وَمُطَابَقَتِهِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ فِيهَا وَسُؤْرِ الْكِلَابِ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ أَذِنَ لَهُ فِي أَكْلِ مَا صَادَهُ الْكَلْبُ وَلَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِغَسْلِ مَوْضِعِ فَمِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قال مَالِكٌ: كَيْفَ يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَيَكُونُ لُعَابُهُ نَجِسًا؟ وَأَجَابَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ بِأَنَّ الْحَدِيثَ سِيقَ لِتَعْرِيفِ أَنَّ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ إِثْبَاتُ نَجَاسَةٍ وَلَا نَفْيُهَا. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ اغْسِلِ الدَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ جُرْحٍ نَابِهُ، لَكِنَّهُ وَكَلَهُ إِلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدُهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ الدَّمِ، فَلَعَلَّهُ وَكَلَهُ أَيْضًا إِلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدُهُ مِنْ غَسْلِ مَا يُمَاسُّهُ