للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بِقُوَّةٍ وَشِدَّةٍ، وَذَكَرَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى هَلَّا وَمَثَّلَ بِقَوْلِهِ: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ تَفْسِيرُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُسَاعِدُهُ، وَتَأْتِي بِمَعْنَى التَّمَنِّي نَحْوَ ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أَيْ فَلَيْتَ لَنَا، وَلِهَذَا نُصِبَ فَتَكُونُ فِي جَوَابِهَا كَمَا انْتَصَبَ فَأَفُوزَ فِي جَوَابِ لَيْتَ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ الِامْتِنَاعِيَّةُ أُشْرِبَتْ مَعْنَى التَّمَنِّي أَوِ الْمَصْدَرِيَّةُ أَوْ قِسْمٌ بِرَأْسِهِ، رَجَّحَ الْأَخِيرَ ابْنُ مَالِكٍ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ وُرُودُهَا مَعَ فِعْلِ التَّمَنِّي، لِأَنَّ مَحَلَّ مَجِيئِهَا لِلتَّمَنِّي أَنْ

لَا يَصْحَبَهَا فِعْلُ التَّمَنِّي، قَالَ الْقَاضِي شِهَابُ الدِّينِ الْخُوبِيُّ: لَوِ الشَّرْطِيَّةُ لِتَعْلِيقِ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ فِي الْمَاضِي، فَتَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْأَوَّلِ إِذْ لَوْ كَانَ ثَابِتًا لَلَزِمَ ثُبُوتُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لِثُبُوتِ الثَّانِي عَلَى تَقْدِيرِ الْأَوَّلِ، فَمَتَى كَانَ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِلثَّانِي دَلَّ عَلَى امْتِنَاعِ الثَّانِي لِامْتِنَاعِ الْأَوَّلِ ضَرُورَةُ انْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِلثَّانِي لَمْ يَدُلَّ إِلَّا عَلَى مُجَرَّدِ الشَّرْطِ، وَقَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْجَزَاءَ لَازِمُ الْوُجُودِ دَائِمًا فِي قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يُسْتَبْعَدُ اسْتِلْزَامُهُ لِذَلِكَ الْجَزَاءِ، وَيَكُونُ نَقِيضُ ذَلِكَ الشَّرْطِ الْمُثْبَتِ أَوْلَى بِاسْتِلْزَامِهِ ذَلِكَ الْجَزَاءَ، فَيَلْزَمُ وُجُودُ اسْتِمْرَارِ الْجَزَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ نَحْوَ: لَوْ لَمْ تَكُنْ تُكْرِمْنِي لِأُثْنِيَ عَلَيْكَ فَإِذَا ادَّعَى لُزُومَ وُجُودِ الْجَزَاءِ لِهَذَا الشَّرْطِ مَعَ اسْتِبْعَادِ لُزُومِهِ لَهُ فَوُجُودُهُ عِنْدَ عَدَمِ هَذَا الشَّرْطِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ الشِّعْرِيَّةِ قَوْلُ الْمَعَرِّيِّ.

لَوِ اخْتَصَرْتُمْ مِنَ الْإِحْسَانِ زُرْتُكُمُ الْبَيْتَ

فَإِنَّ الْإِحْسَانَ يَسْتَدْعِي اسْتِدَامَةَ الزِّيَارَةِ لَا تَرْكَهَا لَكِنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِ الْمَمْدُوحِ بِالْكِرْمِ، وَوَصْفَ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: لَحُلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا جِئْتُمْ لَهُ مِنَ الْفَسَادِ قَالَ: وَحَذْفُهُ أَبْلَغُ لِأَنَّهُ يَحْصِرُ بِالنَّفْيِ ضُرُوبَ الْمَنْعِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ لُوطٌ الْعِدَّةَ مِنَ الرِّجَالِ، وَإِلَّا فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ رُكْنًا شَدِيدًا ; وَلَكِنَّهُ جَرَى عَلَى الْحُكْمِ الظَّاهِرِ، قَالَ وَتَضَمَّنَتِ الْآيَةُ الْبَيَانَ عَمَّا يُوجِبُهُ حَالُ الْمُؤْمِنِ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِزَالَتِهِ، أَنَّهُ يَتَحَسَّرُ عَلَى فَقْدِ الْمُعِينِ عَلَى دَفْعِهِ، وَيَتَمَنَّى وُجُودَهُ حِرْصًا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ وَجَزَعًا مِنَ اسْتِمْرَارِ مَعْصِيَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ أَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ ثُمَّ بِقَلْبِهِ إِذَا لَمْ يُطْلِقِ الدَّفْعَ انْتَهَى.

وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ السُّبْكِيُّ هُوَ الَّذِي رَمَزَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ: مَا يَجُوزُ مِنَ اللَّوْ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لَا يَجُوزُ إِلَّا مَا اسْتَثْنَى، وَهُوَ مُخَرَّجٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ قَالَ: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجِزْ فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ لَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : وَالْبَاقِي سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَمَا شَاءَ وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ: احْرِصْ إِلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا قَبْلَهُ.

وَقَالَ: فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، ولَكِنْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ مِفْتَاحُ الشَّيْطَانِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَعْرَجِ أَبَا الزِّنَادِ، وَلَفْظُهُ: مُؤْمِنٌ قَوِيٌّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ، وَفِيهِ: فَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ صَنَعَ، قَالَ النَّسَائِيُّ: فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ، وَالطَّحَاوِيُّ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ فَأَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَعْرَجِ رَبِيعَةَ بْنَ عُثْمَانَ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ كَالْأَوَّلِ، لَكِنْ قَالَ: وَأَفْضَلُ وَقَالَ: وَمَا شَاءَ صَنَعَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِيعَةَ، وَحِفْظِي لَهُ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ: دَلَّسَهُ ابْنُ عَجْلَانَ، عَنِ الْأَعْرَجِ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ رَبِيعَةَ ثُمَّ رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ