للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِشْرَافِهَا بِوُجُودِ آخِرِ أَشْرَاطِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا بِأَدِلَّتِهِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ.

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَجَوَّزَ الطَّبَرِيُّ أَنْ يُضْمَرَ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَحَلُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ تِلْكَ الطَّائِفَةُ، فَالْمَوْصُوفُونَ بِشِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ بَعْدَ أَنْ تَقْبِضَ الرِّيحُ مَنْ تَقْبِضُهُ، يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَادِ كَالْمَشْرِقِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْفِتَنِ، وَالْمَوْصُوفُونَ بِأَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ يَكُونُونَ مَثَلًا بِبَعْضِ الْبِلَادِ كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: إِنَّهُمْ بِالشَّامِ وَفِي لَفْظٍ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا قَالَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تَنْزِلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى التَّرْتِيبِ فِي الْوَاقِعِ فَيَكُونُ أَوَّلًا: رَفْعُ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ ثُمَّ الْمُقَيَّدَ، ثَانِيًا: فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُجْتَهِدٌ اسْتَوَوْا فِي التَّقْلِيدِ، لَكِنْ رُبَّمَا كَانَ بَعْضُ الْمُقَلِّدِينَ أَقْرَبَ إِلَى بُلُوغِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَيَّدِ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ تَجَزُّؤِ الِاجْتِهَادِ وَلَكِنْ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ يُقَدِّمُ أَهْلُ الْجَهْلِ أَمْثَالَهُمْ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا وَهَذَا لَا يَنْفِي تَرْئِيسَ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِالْجَهْلِ التَّامِّ، كَمَا لَا يَمْتَنِعُ تَرْئِيسُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْجَهْلِ فِي الْجُمْلَةِ فِي زَمَنِ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ خَلَّادَ بْنَ سَلْمَانَ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ حَدَّثَنَا دَرَّاجُ أَبُو السَّمْحِ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُسَمِّنُ الرَّجُلُ رَاحِلَتَهُ حَتَّى يَسِيرَ عَلَيْهَا فِي الْأَمْصَارِ يَلْتَمِسَ مَنْ يُفْتِيهِ بِسُنَّةٍ قَدْ عَمِلَ بِهَا، فَلَا يَجِدَ إِلَّا مَنْ يُفْتِيهِ بِالظَّنِّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَغْلَبُ الْأَكْثَرُ فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا مُشَاهَدًا، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَضَ أَهْلُ تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا يَبْقَى إِلَّا الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ، وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ حَتَّى فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ بَلْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَلَكِنْ يَبْقَى مَنْ لَهُ نِسْبَةٌ إِلَى الْعِلْمِ فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ يَزْدَادُ حِينَئِذٍ غَلَبَةُ الْجَهْلِ وَتَرْئِيسُ أَهْلِهِ، ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَضَ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَذَلِكَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ أَوْ

بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى ، وَحِينَئِذٍ يُتَصَوَّرُ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَمَّنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ أَصْلًا، ثُمَّ تَهُبُّ الرِّيحُ فَتَقْبِضُ كُلَّ مُؤْمِنٍ، وَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ خُلُوُّ الْأَرْضِ عَنْ مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ فَضْلًا عَنْ مُجْتَهِدٍ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْفِتَنِ كَثِيرٌ مِنَ الْمَبَاحِثِ وَالنُّقُولِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِقَبْضِ الْعِلْمِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَفِي الْحَدِيثِ الزَّجْرُ عَنْ تَرْئِيسِ الْجَاهِلِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ. وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ لَا يُجِيزُ تَوْلِيَةَ الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ، وَلَوْ كَانَ عَاقِلًا عَفِيفًا، لَكِنْ إِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ الْعَالَمِ الْفَاسِقِ وَالْجَاهِلِ الْعَفِيفِ، فَالْجَاهِلُ الْعَفِيفُ أَوْلَى لِأَنَّ وَرَعَهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا حَضُّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَطَلَبَتِهِ عَلَى أَخْذِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَفِيهِ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالْحِفْظِ وَالْفَضْلِ، وَفِيهِ حَضُّ الْعَالِمِ طَالِبِهِ عَلَى الْأَخْذِ عَنْ غَيْرِهِ لِيَسْتَفِيدَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ، وَفِيهِ التَّثَبُّتُ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ الْمُحَدِّثُ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةُ الذُّهُولِ وَمُرَاعَاةُ الْفَاضِلِ مِنْ جِهَةِ قَوْلِ عَائِشَةَ اذْهَبْ إِلَيْهِ فَفَاتِحْهُ حَتَّى تَسْأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ وَلَمْ تَقُلْ لَهُ سَلْهُ عَنْهُ ابْتِدَاءً خَشْيَةً مِنَ اسْتِيحَاشِهِ، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فِي ذَمِّ الْعَمَلِ بِالرَّأْيِ وَبَيْنَ مَا فَعَلَهُ السَّلَفُ مِنَ اسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ، أَنَّ نَصَّ الْآيَةِ ذَمُّ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَخَصَّ بِهِ مَنْ تَكَلَّمَ بِرَأْيٍ مجردٍ عَنِ اسْتِنَادٍ إِلَى أَصْلٍ.

وَمَعْنَى الْحَدِيثِ ذَمُّ مَنْ أَفْتَى مَعَ الْجَهْلِ، وَلِذَلِكَ وَصَفَهُمْ بِالضَّلَالِ وَالْإِضْلَالِ، وَإِلَّا فَقَدْ مَدَحَ مَنِ اسْتَنْبَطَ مِنَ الْأَصْلِ لِقَوْلِهِ ﴿لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾