تَنْفِي عَنْهُ مَا يَحْتَمِلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَ: لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ؛ فَإِنَّ سُكُوتَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَوَقَعَ فِي تَنْقِيحِ الزَّرْكَشِيِّ فِي التَّرْجَمَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ: لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ لِأَمْرٍ يَحْضُرُهُ الرَّسُولُ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَأَشَارَ ابْنُ التِّينِ إِلَى أَنَّ التَّرْجَمَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ، وَأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُنْسَبُ لِسَاكِتٍ قَوْلٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مُهْلَةِ النَّظَرِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنْ قَالَ الْمُجْتَهِدُ قَوْلًا وَانْتَشَرَ لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَقِيلَ: لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يَتَعَدَّدَ الْقِيلُ بِهِ، وَمَحَلُّ هَذَا الْخِلَافِ أَنْ لَا يُخَالِفَ ذَلِكَ الْقَوْلُ نَصَّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةً، فَإِنْ خَالَفَهُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى تَقْدِيمِ النَّصِّ، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا أَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ عَلَى غَيْرِهِ إِذَا كَانَ الْقَوْلُ عِنْدَهُ ضَعِيفًا، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ مِنْ نَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَسْكُتُ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهُ دَلِيلًا عَلَى الْجَوَازِ؛ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ الْحُكْمُ، فَسَكَتَ لِتَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ صَوَابًا
وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُهُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ) هُوَ خُرَاسَانِيٌّ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ، وَذَكَرَ ابْنُ رَشِيدٍ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ، وَالْمِزِّيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَنَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَدِيمَةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ صَاحِبٌ لَنَا حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ فِي الْأَحْيَاءِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ حَمَّادُ بْنُ حُمَيْدٍ نَزِيلُ عَسْقَلَانَ رَوَى عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، وَأَبِي ضَمْرَةَ وَغَيْرِهِمَا وَسَمِعَ مِنْهُ أَبُو حَاتِمٍ، وَقَالَ: شَيْخِي فَزَعَمَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا وَهُوَ بَعِيدٌ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ، أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ عَنْ شَيْخٍ وَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ بِوَاسِطَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهَا بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ، وَفِيهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ مِمَّا يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ جَمَعْتُ مَا وَقَعَ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ أَضْعَافَ أَضْعَافِ مَا وَقَعَ لِمُسْلِمٍ، وَذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بَاقٍ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى أَوِ الثَّانِيَةِ مِنْ شُيُوخِهِ، وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ نَزَلَ فِيهَا عَنْ طَبَقَتِهِ الْعَالِيَةِ بِدَرَجَتَيْنِ، مِثَالُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ إِذَا رَوَى حَدِيثَ شُعْبَةَ عَالِيًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَاوٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ
أَدْخَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُعْبَةَ فِيهِ ثَلَاثَةً، وَأَمَّا مُسْلِمٌ فَلَا يَرْوِي حَدِيثَ شُعْبَةَ بِأَقَلَّ مِنْ وَاسِطَتَيْنِ. وَالْحَدِيثُ الثَّانِي مِنَ الْأَرْبَعَةِ مَضَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ النَّيْسَابُورِيَّيْنِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ أَيْضًا عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ بِسَنَدٍ آخَرَ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ نَفْسِهِ.
وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ أَخْرَجَهُ فِي آخِرَ الْمَغَازِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي عَدَدِ الْغَزَوَاتِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ بِهَذَا السَّنَدِ بِلَا وَاسِطَةٍ. وَالْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَقَعَ فِي كِتَابِ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، وَهُوَ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَرْجَانَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضْلِ الْعِتْقِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ رَشِيدٍ نَفْسِهِ وَهَذَا مِمَّا نَزَلَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ طَبَقَتِهِ دَرَجَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِي حَدِيثَ ابْنِ غَسَّانَ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَسَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَهُنَا بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ وَسَائِطَ، وَقَدْ أَشَرْتُ لِكُلِّ حَدِيثٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فِي مَوْضِعِهِ، وَجَمَعْتُهَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ أَيِ ابْنُ مُعَاذِ بْنُ نَصْرِ بْنِ حَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ، وَسَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَيِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنَ الْأَقْرَانِ؛ لِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute