مِنْ طَبَقَتِهِ.
قَوْلُهُ: (رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ) أَيْ: شَاهَدْتُهُ حِينَ حَلَفَ. قَوْلُهُ (أَنَّ ابْنَ الصَّيَّادِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَوَقَعَ عِنْدَ ابْنِ بَطَّالٍ مِثْلُهُ لَكِنْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَلِلْبَاقِينَ: ابْنُ الصَّائِدِ بِوَزْنِ الظَّالِمِ.
(تَحْلِفُ بِاللَّهِ؟ قَالَ؟ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ، إِلَخْ) كَأَنَّ جَابِرًا لَمَّا سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ، فَهِمَ مِنْهُ الْمُطَابَقَةَ، وَلَكِنْ بَقِيَ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالتَّقْرِيرِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، فَمَنْ قَالَ أَوْ فَعَلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ ﷺ شَيْئًا فَأَقَرَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ، فَإِنْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ افْعَلْ خِلَافَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ، إِلَّا إِنْ ثَبَتَ دَلِيلُ الْخُصُوصِيَّةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ دَلِيلَ جَابِرٍ: فَإِنْ قِيلَ: تَقَدَّمَ يَعْنِي كَمَا فِي الْجَنَائِزِ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي قِصَّةِ ابْنِ الصَّيَّادِ: دَعْنِي أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تُسَلَّطْ عَلَيْهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي أَمْرِهِ، يَعْنِي فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهُ عَنْ إِنْكَارِهِ عِنْدَ حَلِفِ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ، قَالَ: وَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّ التَّرْدِيدَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ، فَلَمَّا أَعْلَمَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُمَرَ حَلِفَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الشَّكِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ شَكٌّ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَلَطُّفِ النَّبِيِّ ﷺ بِعُمَرَ فِي صَرْفِهِ عَنْ قَتْلِهِ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.
ثُمَّ ذَكَرَ مَا وَرَدَ عَنْ غَيْرِ جَابِرٍ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ، كَالْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقِيتُ ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ، فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفِئَتْ وَهِيَ خَارِجَةٌ مِثْلَ عَيْنِ الْجَمَلِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا قُلْتُ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَتَى طَفِئَتْ عَيْنَكَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ. قُلْتُ: كَذَبْتَ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكِ؟ قَالَ: فَمَسَحَهَا وَنَخَرَ ثَلَاثًا، فَزَعَمَ الْيَهُودِيُّ أَنِّي ضَرَبْتُ بِيَدَيَّ صَدْرَهُ، وَقُلْتُ لَهُ: اخْسَأْ، فَلَنْ تَعْدُو قَدَرَكَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ؛ فَإِنَّمَا يُتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا انْتَهَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَلَفْظُهُ: لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ، فَذَكَرَ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ: لَقِيتُهُ لُقْيَةً أُخْرَى وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ، فَقُلْتُ: مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى؟ قَالَ: مَا أَدْرِي، قُلْتُ: لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ؟ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَعَلَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ، وَنَخَرَ كَأَشَدَّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ، فَزَعَمَ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِي حَتَّى تَكَسَّرَتْ، وَأَنَا وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ، قَالَ: وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ فَحَدَّثَهَا، فَقَالَتْ: مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ؟ أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبَ يَغْضَبُهُ؟ ثُمَّ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي أَمْرِهِ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ الدَّجَّالُ الَّذِي يَقْتُلُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَلَمْ يَقَعِ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ أَحَدُ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَنْذَرَ بِهِمُ النَّبِيُّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي مَضَى مَعَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ انْتَهَى. وَمُحَصَّلُهُ عَدَمُ تَسْلِيمِ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ، فَيَعُودُ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ عَنْ جَوَابِ حَلِفِ عُمَرَ ثُمَّ جَابِرٍ عَلَى أَنَّهُ الدَّجَّالُ الْمَعْهُودُ، لَكِنْ فِي قِصَّةِ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ، وَاللَّامُ فِي الْقِصَّةِ الْوَارِدَةِ عَنْهُمَا لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَشُكَّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ، وَوَقَعَ لِابْنِ صَيَّادٍ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قِصَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدَّجَّالِ، فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: صَحِبَنِي ابْنُ صَيَّادٍ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: مَاذَا لَقِيتُ مِنَ النَّاسِ؟ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ، أَلَسْتَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِي، قَالَ: أَوَلَسْتَ سَمِعْتَهُ يَقُولُ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ وَهَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَخَذَتْنِي مِنِ ابْنِ صَيَّادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute