دَمَامَةٌ، فَقَالَ: هَذَا عَذَرْتُ النَّاسَ مَا لِي وَأَنْتُمْ يَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ، أَلَمْ يَقُلْ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: إِنَّهُ يَعْنِي الدَّجَّالَ يَهُودِيٌّ؟ وَقَدْ أَسْلَمْتَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: خَرَجْنَا حُجَّاجًا، وَمَعَنَا ابْنُ صَيَّادٍ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ فِيهِ.
فَقُلْتُ: الْحَرُّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَ ثِيَابَكَ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، فَفَعَلَ، فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ، فَقَالَ: اشْرَبْ يَا أَبَا سَعِيدٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَمَا بِي إِلَّا أَنْ أَكْرَهَ أَنِّي أَشْرَبُ مِنْ يَدِهِ، فَقَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ بِهِ مِمَّا يَقُولُ لِيَ النَّاسُ، يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَزَادَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: حَتَّى كِدْتُ أَعْذُرَهُ وَفِي آخِرِ كُلٍّ مِنَ الطُّرُقِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدِهِ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَقُلْتُ لَهُ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، لَفْظُ الْجَرِيرِيِّ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قِصَّةِ ابْنِ صَيَّادٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَمْكُثُ أَبَوَا الدَّجَّالِ ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَهُمَا ثُمَّ يُولَدُ لَهُمَا غُلَامٌ أَعْوَرُ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ نَفْعًا، وَنَعَتَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ: فَسَمِعْنَا بِمَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْيَهُودِ، فَذَهَبْتُ أَنَا وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامِ فَدَخَلْنَا عَلَى أَبَوَيْهِ، فَإِذَا النَّعْتُ فَقُلْنَا: هَلْ لَكُمَا مِنْ وَلَدٍ؟ قَالَا: مَكَثْنَا ثَلَاثِينَ عَامًا لَا يُولَدُ لَنَا، ثُمَّ وُلِدَ لَنَا غُلَامٌ أَضَرُّ شَيْءٍ وَأَقَلُّهُ نَفْعًا الْحَدِيثَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قُلْتُ: وَيُوهِي حَدِيثُهُ أَنَّ أَبَا بَكْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ لَمَّا نَزَلَ مِنَ الطَّائِفِ حِينَ حُوصِرَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ ﷺ لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ كَالْمُحْتَلِمِ، فَمَتَى يُدْرِكُ أَبُو بَكْرَةَ زَمَانَ مَوْلِدِهِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ لَمْ يَسْكُنِ الْمَدِينَةَ إِلَّا قَبْلَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ بِسَنَتَيْنِ، فَكَيْفَ يَتَأَتَّى أَنْ يَكُونَ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ كَالْمُحْتَلِمِ، فَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَعَلَّ الْوَهْمَ وَقَعَ فِيمَا يَقْتَضِي تَرَاخِي مَوْلِدِ ابْنِ صَيَّادٍ أَوَّلًا، وَهْمٌ فِيهِ بَلْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ وُلِدَ لِلْيَهُودِ مَوْلُودٌ عَلَى تَأَخُّرِ الْبَلَاغِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلِدُهُ كَانَ سَابِقًا عَلَى ذَلِكَ بِمُدَّةٍ، بِحَيْثُ يَأْتَلِفُ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الصَّحِيحِ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى حَلِفِ عُمَرَ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ جَاءَهُ الثَّبْتُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ قِصَّةُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، وَبِهِ تَمَسَّكَ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الدَّجَّالَ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ وَطَرِيقُهُ أَصَحُّ، وَتَكُونُ الصِّفَةُ الَّتِي فِي ابْنِ صَيَّادٍ وَافَقَتْ مَا فِي الدَّجَّالِ.
قُلْتُ: قِصَّةُ تَمِيمٍ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ، فَذَكَرَ أَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ نَزَلُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فَلَقِيَتُهُمْ دَابَّةٌ كَثِيرَةُ الشَّعْرِ فَقَالَتْ لَهُمْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، وَدَلَّتْهُمْ عَلَى رَجُلٍ فِي الدَّيْرِ، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا فَدَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِالْحَدِيدِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ: هَلْ بُعِثَ، وَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ يُطِيعُوهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَأَنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، وَعَنْ عَيْنِ زُغَرٍ وَعَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، وَفِيهِ: أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ شَيْخٌ، وَسَنَدُهَا صَحِيحٌ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: فِيهِ أَنَّ الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ غَيْرُ ابْنِ صَيَّادٍ، وَكَانَ ابْنُ صَيَّادٍ أَحَدَ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ ﷺ بِخُرُوجِهِمْ، وَقَدْ خَرَجَ أَكْثَرُهُمْ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ يَجْزِمُونَ بِابْنِ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَمْ يَسْمَعُوا بِقِصَّةِ تَمِيمٍ، وَإِلَّا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَعِيدٌ جِدًّا، إِذْ كَيْفَ يَلْتَئِمُ أَنْ يَكُونَ مَنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيَاةِ النَّبَوِيَّةِ شِبْهَ الْمُحْتَلِمِ، وَيَجْتَمِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute