الْمُوَصِّلِ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَكَيْفَ مَعْنَى الدَّلَالَةِ وَتَفْسِيرُهَا) يَجُوزُ فِي الدَّلَالَةِ فَتْحُ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَحُكِيَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ أَعْلَى، وَالْمُرَادُ بِهَا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ الْإِرْشَادُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ الْخَاصِّ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ خَاصٌّ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ دَلِيلٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ فَهَذَا مَعْنَى الدَّلَالَةِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا فَالْمُرَادُ بِهِ تَبْيِينُهَا وَهُوَ تَعْلِيمُ الْمَأْمُورِ كَيْفِيَّةَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَيُسْتَفَادُ مِنَ التَّرْجَمَةِ بَيَانُ الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ مَا يُؤْخَذُ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ بِطَرِيقِ التَّنْصِيصِ وَبِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ، فَيَنْدَرِجُ فِي ذَلِكَ الِاسْتِنْبَاطُ، وَيَخْرُجُ الْجُمُودُ عَلَى الظَّاهِرِ الْمَحْضِ.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ أَمْرِ الْخَيْلِ إِلَخْ) يُشِيرُ إِلَى أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَمُرَادُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ إِلَى آخَرِ السُّورَةِ عَامٌّ فِي الْعَامِلِ وَفِي عَمَلِهِ، وَأَنَّهُ ﷺ لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ اقْتِنَاءِ الْخَيْلِ وَأَحْوَالِ مُقْتَنِيهَا وَسُئِلَ عَنِ الْحُمُرِ، أَشَارَ إِلَى أَنَّ حُكْمَهَا وَحُكْمَ الْخَيْلِ وَحُكْمَ غَيْرِهَا مُنْدَرِجٌ فِي الْعُمُومِ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ: (وَسُئِلَ عَنِ الضَّبِّ إِلَخْ) يُشِيرُ إِلى ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَمُرَادُهُ بَيَانُ حُكْمِ تَقْرِيرِهِ ﷺ وَأَنَّهُ يُفِيدُ الْجَوَازَ إِلَى أَنْ تُوجَدَ قَرِينَةٌ تَصْرِفُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ.
قَوْلُهُ: (وَسُئِلَ) أَيِ النَّبِيُّ ﷺ وَاسْمُ السَّائِلِ عَنْ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ بِصَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ التَّمِيمِيِّ، وَحَدِيثُهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي التَّفْسِيرِ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَفْظُهُ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - إِلَى آخَرِ السُّورَةِ - قَالَ: مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا، حَسْبِي حَسْبِي، وَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي إِثْبَاتِ الْقِيَاسِ، وَفِيهِ نَظَرٌ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي بَابِ تَعْلِيمِ النَّبِيِّ ﷺ أُمَّتَهُ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ غَيْرُ مَنْسُوبٍ، وَصَنِيعُ ابْنِ السَّكَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ ابْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ، وَتَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَجَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَالْبَيْهَقِيِّ بِأَنَّهُ ابْنُ جَعْفَرٍ الْبِيكَنْدِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَالِدُ مَنْصُورٍ الْمَذْكُورِ هُوَ ابْنُ طَلْحَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ الْعَبْدَرِيِّ الْحَجَبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ، وَوَقَعَ هُنَا مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن شَيْبَةَ وَشَيْبَةُ إِنَّمَا هُوَ جَدُّ مَنْصُورٍ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّ اسْمَ أُمِّهِ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَيُكْتَبُ ابْنُ شَيْبَةَ بِالْأَلِفِ وَيُعْرَبُ إِعْرَابَ مَنْصُورٍ لَا إِعْرَابَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَدْ تَفَطَّنَ لِذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ هُنَا وَلِصَفِيَّةَ وَلِأَبِيهَا صُحْبَةٌ.
قَوْلُهُ: (أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ ﷺ كَذَا ذَكَرَ مِنَ الْمَتْنِ أَوَّلَهُ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى السَّنَدِ الثَّانِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ شَيْخُهُ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا جَزَمَ بِهِ الْكَلَابَاذِيُّ، وَحَكَى الْمِزِّيُّ أَنَّهُ يُكْنَى أَبَا جَعْفَرٍ وَهُوَ كُوفِيٌّ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ مَعَ الْبُخَارِيِّ، يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ وَآخَرُونَ وَوَثَّقَهُ مُطَيَّنٌ وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمَا، قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ.
قُلْتُ: فَهُوَ مِنْ قُدَمَاءِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، مَا لَهُ عِنْدَهُ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ فِيمَا ذَكَرَ الْكَلَابَاذِيُّ، لَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ لَهُ مَوْضِعًا آخَرَ، تَقَدَّمَ فِي الْجُمُعَةِ وَآخَرُ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَلَهُ فِي الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَهُ مُتَابِعٌ، فَمَا أَخْرَجَ لَهُ شَيْئًا اسْتِقْلَالًا، وَلَكِنَّهُ سَاقَ الْمَتْنَ هُنَا عَلَى لَفْظِهِ، وَأَمَّا لَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِيهِ فَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ السَّائِلَةِ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ - بِمُعْجَمَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ لَامٍ - وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ مَعَ سَائِرِ شَرْحِهِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَمْ تَفْهَمِ السَّائِلَةُ غَرَضَ النَّبِيِّ ﷺ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ أَنَّ تَتَبُّعَ الدَّمِ بِالْفِرْصَةِ يُسَمَّى تَوَضُّؤًا إِذَا اقْتَرَنَ بِذِكْرِ الدَّمِ وَالْأَذَى،