وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِهِ مِمَّا يُسْتَحَيا مِنْ ذِكْرِهِ ; فَفَهِمَتْ عَائِشَةُ غَرَضَهُ فَبَيَّنَتْ لِلْمَرْأَةِ مَا خَفِيَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُجْمَلَ يُوقَفُ عَلَى بَيَانِهِ مِنَ الْقَرَائِنِ وَتَخْتَلِفُ الْأَفْهَامُ فِي إِدْرَاكِهِ، وَقَدْ عَرَّفَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ الْمُجْمَلَ بِمَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلَالَتُهُ وَيَقَعُ فِي اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ كَالْقُرْءِ لِاحْتِمَالِهِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ، وَفِي الْمُرَكَّبِ مِثْلَ: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ؛ لِاحْتِمَالِهِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، وَمِنَ الْمُفْرَدِ الْأَسْماءُ الشَّرْعِيَّةُ مِثْلَ: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ فَقِيلَ هُوَ مُجْمَلٌ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلِّ صَوْمٍ وَلَكِنَّهُ بُيِّنَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى شَهْرُ رَمَضَانَ، وَنَحْوُهُ حَدِيثُ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ: تَوَضَّئِي فَإِنَّهُ وَقَعَ بَيَانُهُ لِلسَّائِلَةِ بِمَا فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا وَأُقِرَّتْ عَلَى ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَوْلُهُ: (أُمَّ حُفَيْدٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرٌ اسْمُهَا: هُزَيْلَةُ بِزَايٍ مُصَغَّرٌ بِنْتُ الْحَارِثَةِ الْهِلَالِيَّةِ، أُخْتُ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَهِيَ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَخَالَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَاسْمُ أُمِّ كُلٍّ مِنْهُمَا لُبَابَةُ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ أُخْرَى.
قَوْلُهُ: (وَأَضُبًّا) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ ضَبٍّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْإِفْرَادِ.
قَوْلُهُ: (كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ) بِقَافِ وَمُعْجَمَةٍ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَهُ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: مَا أُكِلْنَ، وَتَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ.
وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّيْثُ وَأَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ قِصَّةَ الْقِدْرِ، فَلَا أَدْرِي هُوَ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوْ فِي الْحَدِيثِ.
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: حَدِيثُ جَابِرٍ فِي أَكْلِ الثَّوْمِ وَالْبَصَلِ.
قَوْلُهُ: (وَلْيَقْعُدْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَوْ لِيَقْعُدْ بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ فِي أَوَّلِهِ.
قَوْلُهُ: (أُتِيَ بِبَدْرٍ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: يَعْنِي طَبَقًا) هُوَ مَوْصُولٌ بِسَنَدِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (فَقَرَّبُوهَا إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ كَانَ مَعَهُ) هُوَ مَنْقُولٌ بِالْمَعْنَى؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ ﷺ قَرِّبُوهَا لِأَبِي أَيُّوبَ فَكَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَحْفَظْهُ فَكَنَّى عَنْهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ النَّبِيُّ ﷺ عَيَّنَهُ ففيه الْتِفَاتٌ؛ لِأَنَّ نَسَقَ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِي، وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي قَوْلُهُ بَعْدَهُ: كَانَ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ أَكْلَهَا) فَاعِلُ كَرِهَ هُوَ أَبُو أَيُّوبَ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَلَمَّا رَآهُ امْتَنَعَ مِنْ أَكْلِهَا وَأَمَرَ بِتَقْرِيبِهَا إِلَيْهِ، كَرِهَ أَكْلَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ فَلَمَّا رَآهُ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا كَرِهَ أَكْلَهَا وَكَانَ أَبُو أَيُّوبَ اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مُتَابَعَتِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ فَلَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ أَكْلِ تِلْكَ الْبُقُولِ تَأَسَّى بِهِ فَبَيَّنَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَجْهَ تَخْصِيصِهِ فَقَالَ: إِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَبْلَ كِتَابِ الْجُمُعَةِ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُوذِيَ صَاحِبِي وَعِنْدَ ابْنِ خُزَيْمَةَ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: قَوْلُهُ: قَرِّبُوهَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: فَإِنِّي أُنَاجِي إِلَخْ. قُلْتُ: وَتَكْمِلَتُهُ مَا ذَكَرْتُهُ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَفْضِيلِ الْمَلَكِ عَلَى الْبَشَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ كَانَ ﷺ يُنَاجِيهِ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ وَهُوَ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ جِبْرِيلُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ جِبْرِيلَ عَلَى مِثْلِ أَبِي أَيُّوبَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِمَّنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ نَبِيًّا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ عَلَى بَعْضٍ تَفْضِيلُ جَمِيعِ الْجِنْسِ عَلَى جَمِيعِ الْجِنْسِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُفَيْرٍ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ بِمُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرٌ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ صَرَّحَ بِتَحْدِيثِهِ لَهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِهِ، وَسَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الَّذِي سَاقَهُ هُنَا قِطْعَةً مِنْهُ، وَزَادَ هُنَاكَ عَنِ اللَّيْثِ، وَأَبِي صَفْوَانَ طَرَفًا مِنْهُ مُعَلَّقًا وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَنْ وَصَلَهُمَا.
زَادَ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: كَأَنَّهَا تَعْنِي الْمَوْتَ.
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: (قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي) اسْمُ عَمِّهِ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: مَاتَ يَعْقُوبُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ سَعْدٍ، انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَخِيهِ، انْتَهَى. وَظَنَّ بَعْضُ مَنْ نَقَلَ كَلَامَهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: أَخِيهِ لِيَعْقُوبَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ