بِإِسْلَامِ الْكَافِرِ إِذَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ التَّصْدِيقَ بِكُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْهُمَا وَالْتِزَامَ ذَلِكَ، فَيَحْصُلُ ذَلِكَ لِمَنْ صَدَّقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ مِنْ إِنْكَارِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعَ تَأْوِيلٍ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ عِنَادًا قَدَحَ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ، فَيُعَامَلُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ كَإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَفِيهِ قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبُ الْعَمَلِ بِهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مِثْلَ خَبَرِ مُعَاذٍ حَفَّتْهُ قَرِينَةُ أَنَّهُ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ فَلَا يَسْتَوِي مَعَ سَائِرِ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ، وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا صَدَّقَ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ مَثَلًا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُسْلِمًا، وَبَالَغَ مَنْ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُكَفَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ إِذَا جَحَدَهُ يَصِيرُ الْكَافِرُ بِهِ مُسْلِمًا إِذَا اعْتَقَدَهُ.
وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَهَذَا فِي الِاعْتِقَادِ، أَمَّا الْفِعْلُ لَوْ صَلَّى فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ، فَيَدْخُلُهُ احْتِمَالُ الْعَبَثِ وَالِاسْتِهْزَاءِ. وَفِيهِ وُجُوبُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، وَقَهْرُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى بَذْلِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَاحِدًا، فَإِنْ كَانَ مَعَ امْتِنَاعِهِ ذَا شَوْكَةٍ قُوتِلَ، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ تَعْزِيرُهُ عَلَى الِامْتِنَاعِ عُزِّرَ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَقَدْ وَرَدَ عَنْ تَعْزِيرِهِ بِالْمَالِ حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ: وَمَنْ مَنَعَهَا - يَعْنِي الزَّكَاةَ - فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرِ مَالِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَأَمَّا ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ: لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَأَدْخَلْتُهُ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ: بِأَنَّ الْحُكْمَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مَنْسُوخٌ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كَانَ أَوَّلًا كَذَلِكَ ثُمَّ نُسِخَ، وَضَعَّفَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْجَوَابَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعُقُوبَةَ بِالْمَالِ لَا تُعْرَفُ أَوَّلًا حَتَّى يَتِمَّ دَعْوَى النَّسْخِ، وَلِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَرْطِهِ كَمَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ النَّوَوِيُّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ تَضْعِيفِ بَهْزٍ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأَنَّهُ مُوَثَّقٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ حَتَّى قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحٌ إِذَا كَانَ دُونَ بَهْزٍ ثِقَةً، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ حَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ عِدَّةَ
أَحَادِيثَ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالْبُخَارِيُّ خَارِجَ الصَّحِيحِ وَعَلَّقَ لَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ: وَهُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَإِنِ اعْتَمَدَ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ عَلَى هَذَا كَفَاهُ، وَيُؤَيِّدُهُ إِطْبَاقُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُعَارِضًا رَاجِحًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِمُقْتَضَاهُ يُعَدُّ فِي نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ وَقَدْ دَلَّ خَبَرُ الْبَابِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقْبِضُ الزَّكَاةَ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ أَقَامَهُ لِذَلِكَ.
وَقَدْ أَطْبَقَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ مُبَاشَرَةَ الْإِخْرَاجِ، وَشَذَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الدَّفْعِ إِلَى الْإِمَامِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ، وَفِي الْقَدِيمِ لِلشَّافِعِيِّ نَحْوُهُ عَلَى تَفْصِيلٍ عَنْهُمَا فِيهِ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ مُعَاذٍ أَيْضًا:
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ، وَالْأَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ، هُوَ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيُّ، وَأَبُوهُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اسْمِهِ.
قَوْلُهُ: (أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَدُخُولُهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِهِ: لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا؛ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ بِالتَّوْحِيدِ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ حَقًّا عُلِمَ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، لَا بِإِيجَابِ الْعَقْلِ، فَهُوَ كَالْوَاجِبِ فِي تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ أَوْ هُوَ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾
زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي أَخِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَتَقَدَّمَ الْمَتْنُ فِي فَضْلِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَالِكٍ مَشْرُوحًا، وَأَوْرَدَهُ هُنَا لِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَحَدِيَّةِ كَمَا فِي الَّذِي بَعْدَهُ، وَقَوْلُهُ هُنَا: زَادَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ تَقَدَّمَ هُنَاكَ بِزِيَادَةِ رَاوٍ فِي أَوَّلِهِ،