للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شَرْحِهِ، وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ فَمَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ لُقْمَانَ عِنْدَ شَرْحِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّالِثَةُ فَمِنَ الْحُجَجِ الْبَيِّنَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعِلْمِ لِلَّهِ، وَحَرَّفَهُ الْمُعْتَزِلِيُّ نُصْرَةً لِمَذْهَبِهِ، فَقَالَ: أَنْزَلَهُ مُلْتَبِسًا بِعِلْمِهِ الْخَاصِّ، وَهُوَ تَأْلِيفُهُ عَلَى نَظْمٍ وَأُسْلُوبٍ يَعْجِزُ عَنْهُ كُلُّ بَلِيغٍ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ نَظْمَ الْعِبَارَاتِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ بَلْ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَلَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى الْحَمْلِ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْإِخْبَارُ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ أَيْضًا: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ، فَأَوَّلَ عِلْمَهُ بِعَالِمٍ فِرَارًا مِنْ إِثْبَاتِ الْعِلْمِ لَهُ مَعَ تَصْرِيحِ الْآيَةِ بِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ﴾ وَتَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ: مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَوَقَعَ في حَدِيث الِاسْتِخَارَةِ الْمَاضِي فِي الدَّعَوَاتِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ.

وَأَمَّا الْآيَةُ الرَّابِعَةُ فَهِيَ كَالْأُولَى فِي إِثْبَاتِ الْعِلْمِ وَأَصْرَحُ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلِيُّ: قَوْلُهُ: بِعِلْمِهِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ لَا مَعْلُومَةَ بِعِلْمِهِ، فَتَعَسَّفَ فِيمَا أَوَّلَ، وَعَدَلَ عَنِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ.

وَأَمَّا الْآيَةُ الْخَامِسَةُ فَقَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَاهَا: لَا يَعْلَمُ مَتَى وَقْتُ قِيَامِهَا غَيْرُهُ، فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ وَقْت السَّاعَةِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِثْبَاتُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَالِمٌ بِلَا عِلْمٍ، ثُمَّ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ عِلْمَهُ قَدِيمٌ وَجَبَ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ مَعْلُومٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِدَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ فِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْحَيَاةِ وَغَيْرِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ مُرِيدٌ بِدَلِيلِ تَخْصِيصِ الْمُمْكِنَاتِ بِوُجُودِ مَا وُجِدَ مِنْهَا بَدَلًا مِنْ عَدَمِهِ، وَعَدَمُ الْمَعْدُومِ مِنْهَا بَدَلًا مِنْ وُجُودِهِ، ثُمَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ لَهَا بِصِفَةٍ يَصِحُّ مِنْهُ بِهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ أَوَّلًا، وَالثَّانِي: لَوْ كَانَ فَاعِلًا لَهَا لَا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ، لَزِمَ صُدُورَ الْمُمْكِنَاتِ عَنْهُ صُدُورًا وَاحِدًا بِغَيْرِ تَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَلَا تَطْوِيرٍ، وَلَكَانَ يَلْزَمُ قِدَمَهَا ضَرُورَةُ اسْتِحَالَةِ تَخَلُّفِ الْمُقْتَضِي عَلَى مُقْتَضَاهُ الذَّاتِيِّ، فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا، وَالْحَادِثُ قَدِيمًا وَهُوَ مُحَالٌ، فَثَبَتَ أَنَّهُ فَاعِلٌ بِصِفَةٍ يَصِحُّ مِنْهُ بِهَا التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَهَذَا بُرْهَانُ الْمَعْقُولِ، وَأَمَّا بُرْهَانُ الْمَنْقُولِ فَآيٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ ثُمَّ الْفَاعِلُ لِلْمَصْنُوعَاتِ بِخَلْقِهِ بِالِاخْتِيَارِ يَكُونُ مُتَّصِفًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ وَهِيَ الِاخْتِيَارُ مَشْرُوطَةٌ بِالْعِلْمِ بِالْمُرَادِ، وَوُجُودُ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ مُحَالٌ؛ وَلِأَنَّ الْمُخْتَارَ لِلشَّيْءِ إِنْ كَانَ غَيْرُهُ قَادِرًا عَلَيْهِ تَعَذَّرَ

عَلَيْهِ صُدُورُ مُخْتَارِهِ وَمُرَادِهِ، وَلَمَّا شُوهِدَتِ الْمَصْنُوعَاتُ صَدَرَتْ عَنْ فَاعِلِهَا الْمُخْتَارِ مِنْ غَيْرِ تَعَذُّرِ عِلْمٍ قَطَعْنَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِهَا، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ الْكَلَامِ فِي الْإِرَادَةِ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ بَعْدَ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ بَابًا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ وَغَيْرَهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا: كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَقُولُ: مَعْنَى الْعَلِيمِ يَعْلَمُ الْمَعْلُومَاتِ، وَمَعْنَى الْخَبِيرِ يَعْلَمُ مَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَمَعْنَى الشَّهِيدِ يَعْلَمُ الْغَائِبَ كَمَا يَعْلَمُ الْحَاضِرَ، وَمَعْنَى الْمُحْصِي لَا تَشْغَلُهُ الْكَثْرَةُ عَنِ الْعِلْمِ، وَسَاقَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ قَالَ: يَعْلَمُ مَا أَسَرَّ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ، وَمَا أَخْفَى عَنْهُ مِمَّا سَيَفْعَلُهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَعْلَمُ السِّرَّ الَّذِي فِي نَفْسِكَ، وَيَعْلَمُ مَا سَتَعْمَلُ غَدًا.

قَوْلُهُ: (قَالَ يَحْيَى: الظَّاهِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَالْبَاطِنُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) يَحْيَى هَذَا هُوَ ابْنُ زِيَادٍ الْفَرَّاءُ النَّحْوِيُّ الْمَشْهُورُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى الظَّاهِرِ الْبَاطِنِ: الْعَالِمُ بِظَوَاهِرِ الْأَشْيَاءِ وَبَوَاطِنِهَا، وَقِيلَ: الظَّاهِرُ بِالْأَدِلَّةِ الْبَاطِنُ بِذَاتِهِ، وَقِيلَ: الظَّاهِرُ بِالْعَقْلِ الْبَاطِنُ بِالْحِسِّ، وَقِيلَ: مَعْنَى الظَّاهِرِ الْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَى شَيْءٍ ظَهَرَ عَلَيْهِ وَعَلَاهُ، وَالْبَاطِنُ الَّذِي بَطَنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، أَيْ عَلِمَ بَاطِنَهُ.

وَشَمَلَ قَوْلُهُ أَيْ كُلِّ شَيْءٍ علم مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ خَالِقَ الْمَخْلُوقَاتِ كُلَّهَا بِالِاخْتِيَارِ مُتَّصِفٌ بِالْعِلْمِ بِهِمْ وَالِاقْتِدَارِ عَلَيْهِمْ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الِاخْتِيَارَ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ، وَلَا يُوجَدُ