للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: تَحَاجَّتْ أَصْلُهُ تَحَاجَجَتْ وَهُوَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحِجَاجِ وَهُوَ الْخِصَامِ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ، يُقَالُ: حَاجَجْتُهُ مُحَاجَجَةً وَمُحَاجَّةً وَحِجَاجًا، أَيْ: غَالَبْتُهُ بِالْحُجَّةِ، وَمِنْهُ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، لَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ غَلَبَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

قُلْتُ: إِنَّمَا وِزَانُ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى، لَوْ جَاءَ تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ النَّارَ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الْخِصَامِ الْغَلَبَةُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِصَامُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِيهِمَا حَيَاةً وَفَهْمًا وَكَلَامًا وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ: امْتَلَأَ الْحَوْضُ، وَقَالَ قَطْنِي: وَالْحَوْضُ لَا يَتَكَلَّمُ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ امْتِلَائِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَنْطِقُ لَقَالَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي قَوْلِ النَّارِ: ﴿هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ قَالَ: وَحَاصِلُ اخْتِصَاصِهِمَا افْتِخَارُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى بِمَنْ يَسْكُنُهَا فَتَظُنُّ النَّارُ أَنَّهَا بِمَنْ أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا أَبَرُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَتَظُنُّ الْجَنَّةُ أَنَّهَا بِمَنْ أَسْكَنَهَا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَبَرُّ عِنْدَ اللَّهِ، فَأُجِيبَتَا بِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مَنْ يَسْكُنُهُمَا، وَفِي كِلَاهُمَا شَائِبَةُ شِكَايَةٍ إِلَى رَبِّهِمَا إِذْ لَمْ تَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَّا مَا اخْتَصَّتْ بِهِ، وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي هَذَا فِي تَفْسِيرِ ق، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ: يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ فِيمَا شَاءَ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عَقْلًا فِي الْأَصْوَاتِ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا حَيًّا عَلَى الرَّاجِحِ وَلَوْ سَلَّمْنَا الشَّرْطَ لَجَازَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِي بَعْضِ أَجْزَائِهِمَا الْجَمَادِيَّةِ حَيَاةً لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ إِنَّ كُلَّ مَا فِي الْجَنَّةِ

حَيٌّ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِلِسَانِ الْحَالِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (فَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ مَا لَهَا) فِيهِ الْتِفَاتٌ؛ لِأَنَّ نَسَقَ الْكَلَامِ أَنْ تَقُولَ: مَا لِي، وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ مَا لِي، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ) زَادَ مُسْلِمٌ: وَعَجَزُهُمْ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَغَرَثُهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالضُّعَفَاءِ فِي تَفْسِيرِ ق، وَسَقَطُهُمْ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ سَاقِطٍ، وَهُوَ النَّازِلُ الْقَدْرَ، الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ، وَسَقَطُ الْمَتَاعِ رَدِيئُهُ، وَعَجَزُهُمْ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا جَمْعُ عَاجِزٍ ضَبَطَهُ عِيَاضٌ، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِتَاءِ التَّأْنِيثِ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ، وَسُقُوطُ التَّاءِ فِي هَذَا الْجَمْعِ نَادِرٌ، قَالَ: وَالصَّوَابُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ مِثْلَ: شَاهِدٌ وَشُهَّدٌ، وَأَمَّا غَرَثُهُمْ فَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ جَمْعُ غَرْثَانَ، أَيْ: جَيْعَانَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ، أَيْ: غَفَلَتُهُمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْإِيمَانِ الَّذِينَ لَمْ يَتَفَطَّنُوا لِلشُّبَهِ، وَلَمْ تُوَسْوِسْ لَهُمُ الشَّيَاطِينُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهُمْ أَهْلُ عَقَائِدَ صَحِيحَةٍ وَإِيمَانٍ ثَابِتٍ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ فَهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ قَلِيلٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَتِ النَّارُ فَقَالَ لِلْجَنَّةِ)، كَذَا وَقَعَ هُنَا مُخْتَصَرًا. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: سَقَطَ قَوْلُ النَّارِ هُنَا مِنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ مَحْفُوظٌ فِي الْحَدِيثِ، رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. قُلْتُ: هُوَ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ، لِلدَّارَقُطْنِيِّ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ.

وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فَقَالَتِ النَّارُ: فِيَّ. أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَسَاقَ مُسْلِمٌ سَنَدَهُ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي). زَادَ أَبُو الزِّنَادِ فِي رِوَايَتِهِ: أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَكَذَا لِهَمَّامٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ). زَادَ أَبُو الزِّنَادِ: مِنْ عِبَادِي.

قَوْلُهُ: (مِلْؤُهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ.

قَوْلُهُ: (فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: الْمَعْرُوفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لِلْجَنَّةِ خَلْقًا، وَأَمَّا النَّارُ فَيَضَعُ فِيهَا قَدَمَهُ قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ