للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ قُلِ ادْعُوا إِلَى آخِرِهِ مُعْتَرِضَةٌ، وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ عَلَى هَذَا الزَّعْمِ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ غَايَةٌ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُغَيَّا فَادَّعَى أَنَّهُ مَا ذَكَرَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ: الْمُرَادُ بِالزَّعْمِ الْكُفْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى زَعَمْتُمْ أَيْ تَمَادَيْتُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَى غَايَةِ التَّفْزِيعِ، ثُمَّ تَرَكْتُمْ زَعْمَكُمْ وَقُلْتُمْ قَالَ الْحَقُّ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَيُفْهَمُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ أَنَّ هُنَاكَ فَزَعًا مِمَّنْ يَرْجُو الشَّفَاعَةَ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ بِالشَّفَاعَةِ أَوْ لَا؟ فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَتَرَبَّصُونَ زَمَانًا فَزِعِينَ حَتَّى إِذَا كُشِفَ الْفَزَعُ عَنِ الْجَمِيعِ بِكَلَامٍ يَقُولُ اللَّهُ فِي إِطْلَاقِ الْإِذْنِ تَبَاشَرُوا بِذَلِكَ، وَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ، أَيِ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَهُوَ الْإِذْنُ فِي الشَّفَاعَةِ لِمَنِ ارْتَضَى.

قُلْتُ: وَجَمِيعُ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَيِّدُهُ قَدْ ذَكَرْتُ بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبَإٍ وَسَأُشِيرُ إِلَيْهَا هُنَا بَعْدُ، وَالصَّحِيحُ فِي إِعْرَابِهَا مَا قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَهُوَ أَنَّ الْمُغَيَّا مَحْذُوفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَلَا هُمْ شُفَعَاءُ كَمَا تَزْعُمُونَ بَلْ هُمْ عِنْدَهُ مُمْتَثِلُونَ لِأَمْرِهِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْفَزَعُ عَنْ قُلُوبِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ الْمُطَابِقُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ مَنْ تَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُنْقَادِينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ دَفْعُ مَا تَأَوَّلَهُ لَكِنَّ حَقَّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَقُولَ: بَلْ هُمْ خَاضِعُونَ لِأَمْرِهِ مُرْتَقِبُونَ لِمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ قِبَلِهِ خَائِفُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ إِلَى أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ جِبْرِيلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ إِبْلَاغِ الْوَحْيِ لِلرُّسُلِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ.

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ (وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوْتُ عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَنَادَوْا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا الْحَقَّ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَثَبَتَ بِمُثَلَّثَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَيْنِ بَدَلَ وَسَكَنَ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّعْلِيقَ مُخْتَصَرًا، وَقَدْ وَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ وَهُوَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ ﷿ إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاءِ فَيُصْعَقُونَ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ، فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيلُ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالَ: وَيَقُولُونَ يَا جِبْرِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالَ فَيَقُولُ الْحَقَّ، قَالَ فَيُنَادُونَ الْحَقُّ الْحَقُّ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ شُرَيْحٍ الرَّازِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ إِشْكَابَ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْهُمْ وَلَفْظُهُ مِثْلُهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَقُولُونَ: مَاذَا قَالَ رَبُّكَ؟ قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا وَجَاءَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا.

قُلْتُ: وهَكَذَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ إِلَى مَسْرُوقٍ قَالَ: مَنْ كَانَ يُحَدِّثُنَا بِتَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَوْلَا ابْنُ مَسْعُودٍ سَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحِ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ بِهَذَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِشْكَابَ مَرْفُوعًا، وَقَالَ هَكَذَا حَدَّثَ بِهِ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُسْنَدًا وَوَجَدْتُهُ بِالْكُوفَةِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا، وَمِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشِ مَعًا وَمِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ كَذَلِكَ، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، وَجَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا، وَرَوَاهُ فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ، وَأَغْفَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْفَضْلِ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحَادِيثِ الصَّوْتِ هَذِهِ الطُّرُقَ كُلَّهَا، وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَنَقَلَ كَلَامَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ،