للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَأَسْنَدَ إِلَى أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ مُخَرَّجٌ حَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ، عَنِ ابْنِ الْمُفَضَّلِ وَكَانَ شَيْخَ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَنْ خُرِّجَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: هَذَا جَازَ الْقَنْطَرَةَ، وَقَرَّرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ ذَلِكَ بِأَنَّ مَنِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى التَّخْرِيجِ لَهُمْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَصْحِيحِ مَا أَخْرَجَاهُ وَمِنْ لَازِمِهِ عَدَالَةُ رُوَاتِهِ إِلَى أَنْ تَتَبَيَّنَ الْعِلَّةُ الْقَادِحَةُ بِأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَلَا تَقْبَلَ التَّأْوِيلَ.

قَوْلُهُ: سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ: سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا وَلِبَعْضِهِمْ الصَّفْوَانِ بَدَلَ الصَّفَا، وَفِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ الْحَدِيدِ بَدَلَ السِّلْسِلَةِ وَفِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَنْصُورٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِثْلَ صَوْتِ السِّلْسِلَةِ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: سَمِعَ مَنْ دُونَهُ صَوْتًا كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْهُ رَجْفَةً أَوْ قَالَ رِعْدَةً شَدِيدَةً مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا لِلَّهِ سُجَّدًا وَكَذَا وَقَعَ قَوْلُهُ وَيَخِرُّونَ سُجَّدًا فِي رِوَايَةِ أَبِي مَالِكٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَابْنِ نُمَيْرٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ فَيَفْزَعُونَ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ (وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِنُونٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ هُوَ الْجُهَنِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَوْقُوفَ هُنَاكَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي إِيرَادِهِ هُنَاكَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ وَهُنَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ، وَسَاقَ هُنَا مِنَ الْحَدِيثِ بَعْضَهُ وَأَخْرَجَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، وَأَوَّلُ الْمَتْنِ الْمَرْفُوعُ يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَوْ قَالَ - الْعِبَادَ، عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا، قَالَ قُلْنَا: وَمَا بُهْمًا؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ فَذَكَرَهُ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الدَّيَّانُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ، قَالَ قُلْنَا: كَيْفَ؟ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً بُهْمًا، قَالَ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ لَفْظُ أَحْمَدَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ هَمَّامٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ تَابَعَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ غُرْلًا بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الرِّقَاقِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيهِ حُفَاةً بَدَلَ قَوْلِهِ بُهْمًا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّذِينَ لَا شَيْءَ مَعَهُمْ، وَقِيلَ الْمَجْهُولُونَ، وَقِيلَ الْمُتَشَابِهُو الْأَلْوَانِ، وَالْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِمَا هُنَا.

قَوْلُهُ: فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ) حَمَلَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَجَازِ الْحَذْفِ أَيْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي وَاسْتَبْعَدَهُ بَعْضُ مَنْ أَثْبَتَ الصَّوْتَ بِأَنَّ فِي قَوْلِهِ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ مِثْلُ هَذَا فِيهِمْ وَبِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ إِذَا سَمِعُوهُ صُعِقُوا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَإِذَا سَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ يُصْعَقُوا، قَالَ: فَعَلَى هَذَا فَصِفَاتُهُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ لَا تُشْبِهُ صَوْتَ غَيْرِهِ إِذْ لَيْسَ يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَى يُنَادِيهِمْ يَقُولُ، وَقَوْلُهُ بِصَوْتٍ أَيْ مَخْلُوقٍ غَيْرِ قَائِمٍ بِذَاتِهِ، وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ خَارِقًا لِعَادَةِ الْأَصْوَاتِ الْمَخْلُوقَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ فِي سَمَاعِهَا بَيْنَ الْبَعِيدِ وَالْقَرِيبِ هِيَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَسْمُوعَ كَلَامُ اللَّهِ كَمَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْكَلَامُ مَا يَنْطِقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ وَهُوَ مُسْتَقِرٌّ فِي نَفْسِهِ كَمَا جَاءَ